مئات من عناصر الوحدات الخاصة والشرطة الإسرائيلية وجرافات الهدم ترافقهم الكلاب البوليسية، اقتحموا مدينة قلنسوة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وهدموا 11 منزلاً، بعدما اعتدوا على الأهالي الذين حاولوا التصدي لهم بأجسادهم. طحن عناصر الشرطة بأذرعهم وبأعقاب بنادقهم، زجاج نوافذ السيارات، تماماً كما كسروا ذراع شاب كان يدافع عن بيته، بعدما ضربوا والده المريض، تاركين العائلات أمام دمار هائل يُذكّر بالحروب.
أصحاب المنازل المهدمة قالوا إنهم فوجئوا بجرافات الهدم والقوات المرافقة، خاصة أنهم كانوا قد قدموا أوراقهم إلى البلدية و«دائرة التنظيم» الإسرائيلية للحصول على تراخيص البناء، وتلقوا مقابل ذلك وعوداً بالحصول عليها، وهو سبب وجود أعداد قليلة منهم ساعة الهدم، إذ كانت غالبية سكان القرية في أعمالها ووظائفها. لذلك، «اطمأن الأهالي وتابعوا أعمال البناء، خصوصاً أن غالبية البيوت المهدمة تعود إلى شبان مقبلين على الزواج»، يقول عبد الرحيم عودة، وهو أحد سكان المدينة، قبل أن يضيف في شهادته أن «الأعداد الهائلة لعناصر الشرطة وقوات الهدم كانت كافية لاحتلال مدن بكاملها». وهاجم عودة رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، ووزراءه الذين يشنون حملة على فلسطينيي الـ48، قائلاً: «إذا كان نتنياهو ينتقم بهدم بيوتنا لمستوطني عمونا، نقول له: أنت راحل ونحن باقون، وسنعيد بناء منازلنا المهدمة».

أي إضراب بلا
تظاهرات واحتجاج فارغ من القيم النضالية

ما حدث في قلنسوة ليس على ما يبدو سوى بداية حملة تصعيد على فلسطينيي الـ48 الذين ترى فيهم إسرائيل مواطنين من الدرجة الثانية. وفي مطلع العام السابق أعلن نتنياهو أنه «لن يسمح بدولة داخل دولة»، وذلك عقب تنفيذ الشهيد نشأت ملحم عملية «ديزنغوف» في تل أبيب، ما شكل إعلاناً صريحاً لمرحلة جديدة من السياسات العنصرية. وكانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قد تناوبت على هدم البيوت في القرى والمدن الفلسطينية بحجة «البناء غير المرخص»، مستخدمة هذه الذريعة لـ«قوننة» سياساتها ومنعهم من توسيع خرائطهم الهيكلية الخاصة بالبناء داخل قراهم.
ووفق مركز «التخطيط العربي البديل» في الداخل المحتل، فإن الجريمة أول من أمس في قلنسوة هي «استهداف جماعي للمواطنين العرب، واستمرار لقرار الهدم الذي سيطاول عشرات آلاف البيوت لاحقاً». ويذهب إلى النتيجىة نفسها أستاذ التخطيط المدني يوسف جبارين، الذي ردّ على سؤال «الأخبار» عن أعداد البيوت التي يمكن أن تتعرض للهدم، بالقول إن «الخطة الحكومية تستهدف نحو 500 ألف فلسطيني، وتهدف إلى حشر العرب داخل الغيتوهات التي رسمتها سلطات الاحتلال، وأيضاً منعهم من الهجرة إلى المدن التي فيها يهود... نتيجة ذلك سيضطر الفلسطينيون إلى البناء المكثف داخل مساحات صغيرة جداً».
وأضاف جبارين، الذي أعدّ أكثر من دراسة حول الموضوع، أن أعداد البيوت «غير المرخصة» كبيرة، فهناك «أكثر من 10 آلاف بيت في مدينة أم الفحم، و7 آلاف في دالية الكرمل وعسفيا قضاء حيفا، وفي مدينة طمرة في الجليل 1500. أمّا في النقب، فهناك أكثر من 15 ألف منزل وأكثر من 40 قرية غير معترف بها كلياً».
بالعودة إلى «التخطيط البديل»، أكد المركز في بيان أن هدم البيوت في قلنسوة خطوة تسبق بدء التداول في قانون «كيمينتس»، الذي «يهدف إلى مضاعفة هدم البيوت العربية بأعداد كبيرة، وإلغاء إمكانات التوجه للقضاء، وتحميل المسؤولية لأصحاب المنازل بفرض غرامات باهظة على كل من يُسهم في إنشاء مبنى غير مرخص».
تصعيد الحكومة الإسرائيلية ضد فلسطينيي الداخل، الذي تمثل في قرارات الهدم، وثناء وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، عليها، رافقه أيضاً دعوات من حركة «ريغافيم» الاستيطانية، حثت على «تطبيق القانون» وهدم 380 منزلاً في قرية مجد الكروم في الجليل الأعلى وغيرها من المناطق. ولم تكتفِ «ريغافيم» بدعوتها، بل قدمت التماساً إلى «المحكمة العليا الإسرائيلية» ادعت فيه أن «القانون لا يطبق على البلدات العربية، إنما على اليهود فقط كما حدث في مستوطنة عمونا»، لكن المحكمة رفضت الالتماس.
مقابل ذلك، أقفلت المدارس والمحالّ التجارية والمؤسسات الفلسطينية في الداخل أبوابها، أمس، استجابة لدعوات وجهتها «لجنة المتابعة العربية»، التي عقدت اجتماعاً طارئاً في أعقاب هدم المنازل في قلنسوة، كذلك نظمت بعض الوقفات التضامنية في عدد من القرى والبلدات وجامعتي القدس العبرية وتل أبيب. ورغم الاستجابة الواضحة لقرار اللجنة، انتقد ناشطون فلسطينيون أعضاء «القائمة العربية المشتركة» في الكنيست، ورئيس «المتابعة»، محمد بركة، ورأوا أن قرار الإضراب لا يرقى إلى مواجهة الاحتلال وسياساته، داعين في الوقت نفسه إلى استقالة النوّاب العرب من الكنيست. وقالوا أيضاً إن الإضراب استهلك وصار مفرغاً من أيّ قيمة نضالية، مطالبين باستغلال الموقف للنزول إلى الشارع والتظاهر.
أمّا النائبة حنين زعبي (من «التجمع الوطني الديموقراطي»)، فكتبت على صفحتها في «فايسبوك»، أن «إلغاء تظاهرة في قلنسوة، التي حملت توجّهاً بإغلاق الشارع الرئيسي المحاذي للبلدة، قرار خطأ ويحمل توجّهاً مناقضاً للتوجه الذي حملته جلسة المتابعة في بلدية قلنسوة». وأضافت زعبي: «إذا كنّا ــ القيادة ــ غير قادرين على جعل إسرائيل تتحمل نتيجة جرائمها، فلنقل ذلك لشعبنا، ولنستخلص العبر... لا (نتحمّل) غضب الناس، كما قيل في الجلسة، بل نحن نحمل هذا الغضب، ونترجمه إلى سلوك سياسي مُواجِه».
كذلك وجه ناشطون أسئلة إلى رئيس «القائمة المشتركة»، أيمن عودة، على شاكلة هل سيستقبل الفلسطينيين الذين هدمت منازلهم في بيته، في إشارة إلى دعوته «جيرانه اليهود» الذين تضررت منازلهم جراء الحرائق الأخيرة التي اجتاحت فلسطين المحتلة، حينما توجه إليهم بالقول إن «أبواب منزلي مفتوحة لكم».
من جهة أخرى، عقدت «اللجنة المصغرة لمناهضة الهدم» في قلنسوة، أمس، اجتماعاً تحضيرياً للعمل على تنظيم المسيرة التضامنية المقرر إجراؤها يوم الجمعة المقبل في المدينة، على أن تنتهي في المكان الذي هدمت فيه البيوت، حيث سيقام مهرجان خطابي هناك. ودعت اللجنة إلى حملة إغاثة لأصحاب المنازل بهدف إيجاد مساكن تؤويهم وإعادة بناء ما تهدم، فضلاً عن «تفعيل اللجنة الشعبية ولجان الأحياء في قلنسوة ومنطقة المثلث».