صحيح أن الفصائل الفلسطينية، بتياراتها المختلفة، اجتمعت للمرة الأولى منذ سنوات على طاولة واحدة في العاصمة بيروت، بعيداً عن الاشتراطات التي تضعها العواصم العربية الأخرى وبدعوة رسمية من الدولة اللبنانية، لكن منتجات هذا الاجتماع الذي لم يتغيّب عنه سوى فصيلين صغيرين، لم تتعدّ الابتسامات وبياناً يشبه في شكله ومضمونه بيانات أخرى في اجتماعات سابقة.
البيان الختامي تحدث عن خطوط عامة على شاكلة «حماية وتطوير الإنجازات التي حققها نضالنا الوطني، وصون الاعتراف الدولي بحقوقنا الوطنية الثابتة وإجماع العالم على رفض الاستيطان والضم الإسرائيلي غير الشرعي لمدينة القدس»، فيما كرّر «ضرورة تجسيد الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا».
بناءً على ذلك، تقرر «ضرورة تنفيذ اتفاقات وتفاهمات المصالحة كافة، بدءاً بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضطلع بممارسة صلاحياتها في جميع أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، بما فيها القدس، وفقاً للقانون الأساسي... واستكمال إعمار قطاع غزة وحل مشكلاته والعمل الحثيث من أجل إجراء الانتخابات للرئاسة والمجلسين التشريعي والوطني».

«المجلس الوطني» الجديد لن يبصر النور قريباً رغم التوافق الشكلي

كذلك دعا البيان «الرئيس أبو مازن (محمود عباس) إلى البدء فوراً بالمشاورات مع القوى السياسية كافة من أجل التوافق على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، مؤكداً أن «اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني» سوف تواصل عملها وستعقد اجتماعاتها بصورة دورية «بمشاركة القوى الفلسطينية كافة حتى انعقاد المجلس الوطني»، كذلك عبّر عن «التقدير الكبير للبنان الشقيق رئيساً وحكومة وشعباً، وشكرها (اللجنة) لدولة الرئيس نبيه بري لاستضافة اجتماعاتها».
لكن، ما هي النتائج الفعلية؟ وفق مصادر واكبت الاجتماعات خلال اليومين الماضيين، فإن ما تم هو «توافق شكلي أفضل من أن نخرج بعد هذه الصور الجماعية لنقول للعالم إن الفلسطينيين لم يستطيعوا التوافق على شيء». وأضافت تلك المصادر أن حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» لم ترغبا في إحباط الاجتماع عبر الاشتراطات، وهما تقدّران أنه لن يحدث أي «حوار حقيقي بعد ذلك... ولا حتى يوجد تفاؤل في جلسة جديدة للجنة التحضيرية».
الواضح من حديث تلك المصادر أن رئيس السلطة سعى بعد تعزيز شرعيته داخل حركة «فتح» واستفادة السلطة من الأجواء السياسية على الصعيد الدولي أخيراً، خاصة في قضية الاستيطان، إلى تعزيز الشرعية الداخلية والقول إن القرار الفلسطيني تحت «صوت واحد» ضمن الأطر القديمة، لكنه ــ كما ترى المصادر ــ يبقى المستفيد الأكبر مما حدث، وعملياً سوف يعيق الوصول إلى «منظمة تحرير خارجة عن يده وعن توجهاته».
أما عن وضع العربة أمام الحصان، فكان الحديث الفتحاوي داخل الاجتماع أنه لا يمكن المضيّ إلى «مجلس وطني جديد دون التوافق وإتمام المصالحة» العالقة منذ أكثر من عشر سنوات، بدلاً من أن يكون «الوطني» هو مدخلاً لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني كله، وهي خطوة أكبر من المصالحة بين فصيلين، تقول المصادر نفسها. وتعقّب بأنه كان لا بد من بيان ختامي توافقي للحدّ من الانهيار المتواصل على صعيد القضية.
وعملياً، لم يتغيب سوى تنظيمين هما «فتح الانتفاضة»، و«جبهة النضال الشعبي» التي يقودها خالد عبد المجيد (خارج إطار «منظمة التحرير»)، فيما حضرت فصائل المنظمة كافة، وفي مقدمتها «فتح» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» و«حزب الشعب» و«جبهة النضال» (داخل المنظمة)، إلى جانب «الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة» و«حماس و«الجهاد الإسلامي».
في هذا السياق، أعلنت «حماس»، على لسان عضو مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق، أنه تم «التوصل إلى اتفاق في ما يتعلق بتشكيل مجلس وطني جديد يضم الجهاد الاسلامي وحماس». وقبل إنهاء اللجنة أعمالها، قال في تصريح صحافي إن «المجلس الجديد سيمثل كل مكونات الشعب الفلسطيني، من خلال انتخابات حرة ومباشرة».
رغم ذلك، أوضح أبو مرزوق أن الجهة التي ستشرف على العملية الانتخابية في الداخل الفلسطيني هي «حكومة وحدة وطنية موجودة في الداخل الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذه الحكومة تباشر كل أعمالها ومهامها التي توافقنا عليها في الأيام المقبلة»، ما يعني أن القضية ستبقى مرهونة بتشكيل هذه الحكومة أولاً.
ووفق المعلومات، فإن الموافقة المبدئية التي أعلنتها «حماس» و«الجهاد الإسلامي» للمشاركة في المجلس الوطني أمامها معوقات عدة، أهمها أن إجراء انتخابات «الوطني» و«التشريعي» وتشكيل حكومة وفاق وطني للإشراف عليها يحتاجان إلى إنهاء الانقسام بين «حماس» و«فتح»، وهو ما يبدو مستبعداً حتى الآن، ما يعني أن المجلس الجديد لن يتشكل في القريب العاجل، وأن موافقة الحركتين المبدئية ما هي إلا ورقة ضغط فلسطينية في وجه الدول العربية، في حال قرر رئيس «منظمة التحرير»، محمود عباس، أي مناورة سياسية في مواجهة مصر.
على صعيد آخر، سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشر تفاصيل عن تمكن «حماس» من اختراق هواتف عشرات جنود العدو، وبدء جهاز «الشاباك» عملية مضادة أطلق عليها اسم «قتال الصيادين». ونقلت وسائل إعلام العدو عن مسؤول أمني أن «حماس استهدفت هواتف محمولة كثيرة لجنود وضباط إسرائيليين، وبينهم جنود وضباط في الاحتياط».
وطبقاً للإعلام الإسرائيلي، فإن مقاومين تقمّصوا شخصيات نساء إسرائيليات أو يهوديات خططن للهجرة إلى إسرائيل. وتواصلت تلك النساء مع جنود يخدم أغلبهم في وحدات قتالية، وأقمن «معهم علاقة حميمة افتراضية عبر فايسبوك، ولاحقاً دخلن إلى هواتفهم عبر تطبيق طورته الحركة يجعلها تحت سيطرة حماس».
جراء ذلك، استدعت دائرة أمن المعلومات في جيش العدو عشرات الجنود للاستجواب؛ ووفق الجيش الإسرائيلي، فإن «حماس» حصلت على صور مقار قيادية عسكرية ودبابات وناقلات جند مدرعة على الحدود مع غزة ووسائل مراقبة ومواقع الجنود.
وأظهرت تحقيقات العدو أن بعض الملفات الشخصية على «فايسبوك» كانت لجنود سرقت هوياتهم، وتمكنوا من المشاركة لمدد طويلة في المحادثات الخاصة في المجموعات العسكرية الإسرائيلية على «فايسبوك». وكانت هناك حالات سأل فيها مقاومو «حماس» عن «تدريبات ومناورات عسكرية جرت في الأشهر الأخيرة، وحصلوا أحياناً على معلومات حول مناورات قبل إجرائها».
كذلك تبيّن أن أحد الجنود طوّر علاقة رومانسية افتراضية مع مقاوم في «حماس» تقمّص شخصية شابة يهودية من خارج البلاد، وبعث إليه، بناءً على طلب الشخصية الافتراضية، صوراً لقطاع غزة التقطت بواسطة عدسة منظار عسكري، وكذلك صور بالون مراقبة، وأخرى من أحد أبراج المراقبة الإسرائيلية عند الحدود مع القطاع.
(الأخبار)