لم تكد أجهزة الدولة المصرية تتنفس الصعداء، بعد مرور فترة عيد الميلاد بسلام، حتى تعرّضت لانتكاسة أمنية، تمثلت في هجومين فصلت بينهما دقائق، استهدفا كمينين للقوات المسلحة في مدينة العريش في شمال سيناء، وسقط نتيجتهما تسعة قتلى، معظمهم من العسكريين، و١٢ جريحاً آخرين.الهجومان يحملان بطبيعة الحال بصمات "ولاية سيناء" في تنظيم "داعش"، وهما يأتيان في سياق الحرب المفتوحة بين الجيش المصري والتكفيريين في محافظة شمال سيناء، التي تشهد تنامياً مطّرداً للأنشطة الإرهابية منذ "ثورة ٢٥ يناير"، وبلغت ذروتها بعد سقوط نظام "الإخوان المسلمين" في تموز عام ٢٠١٣.

ورغم الطابع غير الاستثنائي لهجومي العريش أمس، إلا أنهما يثيران تساؤلات كثيرة بشأن آفاق المواجهة العسكرية ضد "داعش" في شبه جزيرة سيناء من جهة، والثغر الأمنية التي يستفيد منها التكفيريون لتنفيذ عمليات مباشرة، لا تقتصر على الشكل التقليدي، من قبيل الهجمات الانتحارية وزرع العبوات.
وزارة الداخلية المصرية ذكرت، في بيان، أن "الأجهزة الأمنية تمكنت من التصدي، صباح اليوم (أمس)، لهجوم إرهابي مسلح شارك فيه ما يقرب من 20 عنصراً مسلحاً". وأشارت إلى أن المسلحين "حاولوا اقتحام كمين المطافئ في دائرة قسم ثالث العريش، باستخدام قذائف، وسيارة مفخخة، فضلاً عن كثافة نارية من الأسلحة الآلية والمتوسطة وزرع عبوات متفجرة بنطاق الكمين". وأضاف البيان أن القوات الأمنية "تمكنت من تفجير السيارة المفخخة قبل وصولها إلى الكمين، والتعامل مع العناصر الإرهابية، ما أسفر عن مصرع خمسة منهم وإصابة ثلاثة آخرين، كما نجحت في إبطال مفعول العبوات الناسفة التي تم زرعها"، من دون أن تشير إلى المسلحين الباقين.

استخدم المسلحون
عربة لنقل النفايات سُرقت
قبل أيام

وفي البيان نفسه، ذكرت وزارة الداخلية أن "مجموعة إرهابية أخرى حاولت تنفيذ هجوم على كمين المساعيد على الطريق الدائري، وإطلاق النيران بكثافة، إلا أن القوات الأمنية تصدت لهم وأجبرتهم على الفرار في المنطقة الجبلية المتاخمة، وقد استشهد أحد المجندين جراء ذلك"، غير أن وسائل إعلام مصرية نقلت عن مصادر محلية قولها إن الهجوم أسفر عن "مقتل الانتحاري قائد السيارة المفخخة، وقد تم العثور على أشلاء جسده في موقع الحادث".
والجدير بالذكر أن موقعي الهجومين تفصل بينهما مئات الأمتار، وهما يقعان في حي المساعيد، الذي يعدّ أحد أكثر المناطق تعرضاً للهجمات التكفيرية في العريش. وتحوّل هذا الحي، الواقع عند المدخل الغربي لمدينة العريش بطول كيلومترين على شاطئ البحر المتوسط، إلى مصدر قلق كبير لأجهزة الأمن المصرية، منذ سقوط نظام "الإخوان المسلمين". وقد شهد صدامات دامية بين قوات الشرطة المصرية ومؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي، لامست ذروتها في السادس عشر من آب عام ٢٠١٣، حيث قتل نحو ١٥ شخصاً من تيار "الإسلام السياسي" خلال اشتباكات اندلعت بعد يومين من أحداث "رابعة العدوية". كذلك شهد حي المساعيد هجمات عدة من قبل "ولاية سيناء"، كان آخرها في تشرين الأول الماضي، واستهدف دورية للجيش المصري.
وانطلاقاً من ذلك، فإن ثمة أسئلة جدية يمكن أن يثيرها تكرار الهجمات المسلحة في شمال سيناء، رغم استمرار الحملة الأمنية التي تشنّها القوات المسلحة منذ أكثر من ثلاثة أعوام لتجفيف الارهاب من الشطر الشمالي من شبهة الجزيرة المصرية، والتي كانت عرضة لانتقادات من قبل خبراء أمنيين، لجهة انكشاف مكامن الضعف في هذه النقطة العسكرية أو تلك، نتيجة الثغر التي يمكن سدّها، أو تسريبات أمنية يحصل عليها الارهابيون لوضعية الوحدات الثابتة والمتحركة في حالات التأهب والاسترخاء، أو حتى لجهة تجاهل بعض الاحداث المؤشرة لاحتمال وقوع عمل إرهابي، كما هي الحال مع هجوم أمس، حيث كان لافتاً استخدام المسلحين لشاحنة نقل نفايات سُرقت قبل أيام.