بعد تسعة أشهر من حادثة إعدام الشهيد الفلسطيني الجريح عبد الفتاح الشريف، أدانت محكمة عسكرية خاصة، عقدت أمس داخل مقر «الكرياة» في تل أبيب، الجندي أليؤور أزاريا بـ«القتل غير العمد»، وهو الجندي الذي قتل الشريف، وغيّر إفادته في جلسات التحقيق أكثر من خمس مرات، حينما كان «معتقلاً»، خلال التحقيق معه في قاعدة عسكرية سُمح له بالتنقل داخلها بحريّة، وحتى زيارة ذويه في بيتهم.
داخل قاعة المحكمة العسكرية، توجهت أنظار وسائل الإعلام الإسرائيلية والجمهور نحو القضية التي قسمت مجتمعهم ونالت أكبر تغطية إعلامية في تاريخ المحاكمات الإسرائيلية. ثلاثة قضاة إسرائيليون أداروا جلسة محاكمة لجندي حضر كـ«مسعف»، بزيّ عسكري وبندقية، إلى موقع عملية طعن نفذها شابان فلسطينيان في تل ارميدة في الخليل، جنوبي الضفة المحتلة، وأصابا خلالها جندياً في كتفه. أحد الشابين استشهد من الفور، فيما أصيب الآخر، وهو عبد الفتاح الشريف، بجروح شلت حركته، لكنّ «المسعف» أزاريا في غفلة منه عن وجود كاميرا في المكان، أطلق رصاصة على رأس الشريف، المشلول الحركة أساساً، فأرداه شهيداً.
خارج قاعة «العدالة»، تظاهر مئات الإسرائيليين، بينهم أعضاء كنيست ورؤساء منظمات صهيونية متطرفة حاملين أعلاماً إسرائيلية ولافتات تدعو إلى إحداث «انقلاب في الدولة»، وثانية تدين محاكمة «جندي يدافع عن شعبه»، وأخرى تقول إن «الشعب كله أزاريا».
لم يمضِ وقت قصير على مظاهرتهم وتجاوزهم الحواجز العسكرية المنصوبة، حتى اندلعت اشتباكات عنيفة بينهم وبين عناصر الشرطة الإسرائيلية، كذلك اعتدى مؤيدو أزاريا على الصحافيين الإسرائيليين بالضرب محاولين تكسير معداتهم، وفق ما ذكرت صحيفة «معاريف»، قبل أن تضيف، نقلاً عن أحد المتظاهرين قوله، «لا المطر أو الحواجز ستعيقنا، وانتظروا وصول حافلات من القدس ومن الضفة لمساندة أزاريا».
بعيداً عن تظاهرة التأييد في الشارع، احتج آلاف الإسرائيلين في الفضاء الإلكتروني، غامرين بتعليقاتهم وبشتائمهم المواقع الإخبارية العبرية، قائلين إنهم «يخجلون من العيش في دولة كهذه»، أو «الجيش الأخلاقي تعبير مقزز»، فيما دعا آخرون إلى رفض أداء الخدمة العسكرية «لدولة لا تدافع عمّن يحميها».
في السياق، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن قضية أزاريا بتّتها المحكمة في محضر يتألف من 1400 صفحة، تتضمن شهادات 21 شاهداً من النيابة العسكرية، و31 من وكلاء الدفاع. وقد رفضت القاضية العسكرية، مايا هلر، ادعاءات محامي أزاريا، قائلة إنه «لا يمكن للدفاع إمساك الحبل من طرفيه، إذ يدّعي تارة أن الجندي أطلق النار على الشريف لأن الأخير تحرك وكان يلبس معطفاً لا يلائم الأحوال الجوية، وتارة أخرى يقول إن وفاة الشريف ليس سببها الرصاصة التي أطلقها أزاريا فهو كان ميتاً أساساً».
ولفتت هلر إلى أن جنوداً وضباطاً آخرين كانوا في المكان الذي نُفّذت فيه عملية الطعن ولم يشعروا «بالخطر» الذي ادّعى أزاريا أنه شعر به وبسببه أطلق النار. كذلك رفضت الادعاءات الطبية التي قدمها محامي الدفاع بشأن استشهاد الشريف، خاصة أن شريط الفيديو الذي وثق جريمة الإعدام أثبت أن رصاصة أزاريا الأخيرة هي التي تسبّبت في موت الشاب، بدافع أن الأخير «يجب أن يموت لأنه طعن زميله»، كذلك فإن إطلاق النار لم يتماشَ مع التعليمات الخاصة بهذا الشأن.

متضامنون مع الجندي المدان: الجيش الأخلاقي تعبير مقزّز

قبيل إطلاق الحكم، صرّح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، بأن «الشاب الذي يكون في عمر الثامنة عشرة ويتجند للجيش هو جندي، وليس ابننا جميعنا، وعليه أن يضحّي بحياته كي يحافظ علينا». وهو التصريح الذي يتماثل مع موقف، وزير الأمن السابق، موشيه يعلون، الذي ندّد بفقدان جيشه «أخلاقياته».
وبعد ذلك، عقّب رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بالقول إنه يدعم العفو عن أزاريا، مضيفاً أن «هذا يوم صعب ومؤلم علينا جميعاً، وبالأخص على أليؤور وعائلته وجنود الجيش الإسرائيلي وأهلهم وعليّ أيضاً». وطلب نتنياهو من الجمهور «التصرف بمسؤولية تجاه الجيش وجنوده ورئيس أركانه... لدينا جيش واحد وهو أساس وجودنا، جنود الجيش هم أبناؤنا وبناتنا ويجب أن يبقوا فوق الخلافات».
في غضون ذلك، انتقد أزاريا قادته وتصرّفهم حيال جريمته، كذلك استهجن تصريحات المسؤولين في المنظومة العسكرية والسياسية الإسرائيلية ممن «أدانوا فعلته»، قائلاً إنهم «قدموني للمحاكمة من أجل إرضاء العالم والصحُف». وأضاف: «شعرتُ بالخيانة، لقد أهانني القادة وخذلوني... تخلوا عني بسبب خوفهم من الإعلام، لقد فقدت ثقتي بهم».
جريمة أزاريا، التي أحدثت تبايناً كبيراً في المواقف الإسرائيلية لمجتمع متناقض أساساً، حملت بعدين مهمين؛ أحدهما أظهر مدى الشرخ والفجوات حتى داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، والثاني هو «فقدان الثقة»، وربما يحيل الأخير إلى «صدمة» عالم النفس العسكري الصهيوني، بن شاليط، الذي تفاجأ خلال تأليفه كتاباً عام 1988 حول العوامل النفسية التي تقود الجنود إلى المعركة، بإجابة الضبّاط والجنود الإسرائيليون بأن أكثر ما يخيفهم أثناء الحرب وقبلها وبعدها لم يكن الموت أو فقدان الأطراف، بل «خذلان القادة»، ثم «خذلان الرفاق».