أعلن حزب «نداء تونس» إنشاء مكتب سياسي يتولى تسيير أمور الحزب عقب انتهاء أعمال مؤتمره التأسيسي في محافظة سوسة الساحلية، فيما عقد الأمين العام للحزب المنشق محسن مرزوق اجتماعاً جماهيرياً في قصر المؤتمرات في العاصمة، في وقت انعقاد مؤتمر «النداء» التأسيسي نفسه، وأعلن خلاله انطلاق استشارة وطنية في مختلف جهات البلاد تهدف إلى جمع الآراء والمقترحات تمهيداً لوضع الخط السياسي لحزبه الجديد المنتظر الإعلان عنه رسمياً يوم الثاني من آذار المقبل.
القيادة الجديدة لـ«نداء تونس» مكونة من قيادة جماعية تضم 14 «أميناً وطنياً» وهيئة سياسية موسعة ستضبط مهماتها لاحقاً، كما ستتولى هذه الهياكل تسيير الحزب إلى حين عقد مؤتمر انتخابي أواخر السنة يفصل في القيادة الشرعية للحزب.
وحضر رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي المؤتمر التأسيسي الأول لحزبه «نداء تونس»، الذي يتقلد فيه منصب الرئيس الشرفي، وشارك فيه أيضاً زعيم حركة «النهضة الإسلامية» راشد الغنوشي، إلى جانب عدد من ممثلي الائتلاف الحاكم.
وألقى السبسي كلمة في الافتتاح شدد فيها على أن «الحزب اختار طريقاً وسطياً، وكل من يحيد عن ذلك لن يكون له موقع داخله»، في إشارة إلى المستقيلين منه. واعتبر السبسي أن «المؤتمر فرصة ثمينة لتقييم مسيرة الحزب، منذ تأسيسه، والوقوف عند الإنجازات، التي حققها، وأيضاً لحظة تأمل، وتفكير واستشراف للرؤية المستقبلية، ولحظة حوار عميق ومكثف».
ودعا إلى «الابتعاد عن كل ما يفرق شمل أعضاء الحزب، ويضعف وحدتهم»، مطالباً الكتلة البرلمانية للحزب بمزيد من التماسك والوحدة، وأن تحكّم ضميرها، وتنظر إلى مستقبل الوطن.
ولفت رئيس الجمهورية إلى ضرورة دعم الحكومة ودعم مسارها الإصلاحي، وأن ذلك «لا يعني الولاء الشكلي، بل دعمها بالحوار، وإبداء الرأي، والنقد إن لزم ذلك. ولم يفوت السبسي أن يذكّر في كل مناسبة بضرورة الرجوع إلى مبادئ الفكر البورقيبي (نسبة إلى الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس وقدم إصلاحات كبيرة)، معتبراً أنها قلب مرجعية الحزب وأرضيته الفكرية.
في المؤتمر نفسه، رأى زعيم «النهضة»، راشد الغنوشي، أن المؤتمر هو «لحظة تاريخية مهمة ومحطة من محطات نضج الديموقراطية في تونس»، منوّهاً بـ«قيم التوافق الذي جمع بين كل التونسيين». وأكد أن التقارب بين «النهضة» و«النداء» هو «ثمرة من ثمار استراتيجية التوافق، التي بدأت في لقاء باريس سنة 2013، وأفضت إلى الحوار الوطني والانتخابات وإعطاء تونس دستوراً وهيئات دستورية».
وشهدت كلمة راشد الغنوشي في المؤتمر احتجاجاً من عدد من القيادات داخل قاعة المؤتمر وانسحاب عدد آخر، لكن المتحدث الرسمي الجديد باسم «نداء تونس»، الذي اختاره المؤتمرون، عبد العزيز القطي، قلّل من ذلك، مشيراً في تصريح لـ«الأخبار» إلى أن حضور الغنوشي كان في إطار حضور عدد من ضيوف المؤتمر من رؤساء الأحزاب المتحالفة مع «النداء». واعتبر أن المؤتمرين تفهموا حضور زعيم الحركة الإسلامية ورحبوا به.
ووصف القطي المؤتمر بـ«التاريخي» باعتباره أول مؤتمر للحزب الحاكم منذ نشأته في عام 2012 وحسمه في مسألة القيادة من خلال تشكيل قيادة جماعية لحين انعقاد مؤتمر ثان أواخر هذا العام. واعتبر أن «المؤتمر سجل نجاحاً كبيراً حيث تجند قرابة 1500 شخص يمثلون 90 بالمئة من هياكل الحزب، فضلاً عن حضور معظم القيادات التاريخية ونواب البرلمان». كذلك توقّع أن يكون الحزب بعد انعقاد مؤتمره أكثر حرصاً على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي للبلاد و«أن يبدأ مرحلة العمل والإصلاح التي ستكون بحكومة جديدة وحزب متماسك وحلفاء متناغمين».
ولم ينتظر الأمين العام المستقيل من «نداء تونس»، محسن مرزوق، إلى حين انتهاء الحزب الحاكم من عقد مؤتمره، بل اختار أن يجمع أكثر من 5000 شخص مستقيلين؛ بينهم نواب وقيادات في مؤتمر حمل عنوان «اللقاء الشعبي من أجل المشروع الوطني العصري».
وشدد مرزوق في كلمته على أن الحزب الموعود «سيحافظ على المبادئ الحقيقية التي قام عليها نداء تونس وسينقذه من الانحرافات التي شابته». وأوضح أن «المشروع الجديد الذي سيطلق يوم 2 مارس (آذار)، هو مواصلة لنفس المشروع الأصلي الذي التقينا عليه سنة 2012، ويمثل حزباً ديموقراطياً عصرياً شعبياً، ضد الفساد، مع الفصل بين الدين والسياسة، وأول تحدّ له هو الفوز بالانتخابات البلدية المقبلة».
وقال مرزوق: «نحن الآن لسنا في الحكم ولا في المعارضة، وسنحدد يوم 2 مارس، تاريخ الإعلان الرسمي عن الحزب، تموقعنا في المشهد السياسي، لكن سأدعو النواب إلى اختيار موقع المتابعة من دون معارضة أو موالاة»، مضيفاً أنه قد تقرر عقد اجتماعين وطني وشعبي لتسطير خريطة الطريق وإطلاق العد التنازلي لعقد المؤتمر.
وشدد على أن حزبه الجديد سيكون المنافس الأول للأحزاب القوية في الانتخابات البلدية المقبلة، مراهناً على الفوز بها. وأعرب عن أمله أن «لا يخيب» حزبه الجديد، مشدداً على أن «راية المشروع البورقيبي ستبقى خفاقة عالية إلى أبد الآبدين». وأعاد مرزوق التذكير بأن أسباب خروجهم من «نداء تونس» كانت رفضاً لـ«انحراف الحزب عن الوعد الأساسي لناخبيه، الذي أصبح تنظيماً للولاءات والمحسوبية».
وأكد مرزوق أن «أساس القطيعة مع «نداء تونس»، يعدّ «انتصاراً للمناضلات والمناضلين الذين ساهموا في انتصار مشروعه». أما السبب الثاني فيتعلق بهوية الحزب، الذي أُسس على أنه «مشروع عصري بورقيبي». وأوضح أن حزب «نداء تونس تعرض بعد فوزه التاريخي لعمل تخريبي منعه من تحقيق ارتقائه إلى تنظيم حديث وديموقراطي يضمن دوام تنفيذ مشروعه الوطني، ويمكّنه من تنفيذ برنامجه الانتخابي»، لكنه وجّه دعوة إلى رئيس الجمهورية لحضور المؤتمر.
خلال المؤتمر، أعلن القيادي في «نداء تونس» المستقيل، الهاشمي الحضيري، أن 42 من أعضاء المكتب التنفيذي أعلنوا استقالتهم من المكتب، والتحقوا بالمشروع الوطني العصري الذي يقوده مرزوق. وشدد النائب المستقيل من كتلة «نداء تونس» مصطفى بن أحمد، بدوره، على أن «مشروع الحزب الجديد سيكون تجديداً لمبادئ نداء تونس التي تأسس عليها واختاره على أساسها الناخبون»، مشيراً إلى أن ناخبيهم طلبوا منهم النأي بالحزب عن الانحرافات والممارسات القائمة على التسلط والإقصاء والتعيينات والفرض، لذلك اختاروا تكوين أداة جديدة ينبني على أسس «النداء».
وحول مؤتمر «نداء تونس»، علّق بن أحمد، في حديث إلى «الأخبار»، بأن «نتائج المؤتمر أكدت لنا ما حذّرنا منه سابقاً حول اعتزام حافظ قائد السبسي ابن رئيس الجمهورية القيام بانقلاب داخل هياكل الحزب من خلال فرض قيادة مسقطة، رغم احتجاجات المنسقين والشباب وسط الحزب».
وأضاف بن أحمد: «استبقنا الدخول في مسار إعادة البناء»، مضيفاً أن «نداء تونس» بشكله الحالي «يعتبر من عداد الماضي وأن الأواصل انقطعت معه تماماً، ونحن بصدد الاعتناء بالحزب الجديد الذي سيعقد مؤتمره في شهر آذار المقبل».