تونس | بالتوازي مع تحقيق تنظيم «داعش» تقدما ميدانيا في ليبيا، تتصاعد المخاوف في تونس من تداعيات هذا الواقع على الوضع الأمني في البلاد، في وقت تشهد فيه محافظات ومناطق من الجنوب ــ قريبة من الحدود المشتركة مع ليبيا ــ احتجاجات تجاوزت الطابع السلمي لتتحول إلى مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن.
هذه الأوضاع الداخلية، المتسمة بالاحتقان الاجتماعي غير المسبوق، الذي بلغ حد إحراق مخافر للشرطة واستعمال المحتجين بنادق الصيد في المواجهات مع الأمن في مناطق قريبة من الحدود، زادت من المخاوف التي أثارها تقدّم «داعش» في الأراضي الليبية، وخصوصاً أن الأوضاع الأمنية الهشة تسهل تسلل عناصر إرهابيين وتهريب السلاح.
وبرغم أنّ التطورات في ليبيا تمثل هاجساً أمنياً، وعسكرياً، لتونس، تجدر الإشارة إلى أنّ الأمور لا تقف عند هذا الحد، نظراً إلى تواصل العمليات الأمنية التي تقوم بها قوات الأمن والجيش في جبال الشعانبي القريبة من الحدود الجزائرية لتعقب مجموعات إرهابية.

صيحة فزع

أطلق عدد من السياسيين التونسيين صيحة فزع إزاء تطور الوضع في ليبيا وظهور «داعش» كطرف ثالث يطمح للتوسع في الدول المجاورة. وكان رئيس «حركة النهضة»، راشد الغنوشي، أول المبدين للتخوف العلني، إذ رأى، الأسبوع الماضي، أنّ الإرهاب على الأبواب وأن الدولة التونسية فى خطر إذا ما تفاقمت الاضطرابات الاجتماعية، مشيراً في سياق حديث له إلى أن قوات «فجر ليبيا» هي خط الدفاع الأول الذي يفصل «داعش» عن تونس.
ولم يكن الغنوشي السياسي الوحيد الذي أبدى تخوفه من تقدم «داعش»، إذ قال، أمس، رئيس الكتلة النيابية لحركة «نداء تونس»، محمد الفاضل بن عمران، "أنا متخوف حقيقة من الوضع في قبلي (إحدى محافظات الجنوب التونسي التي تشهد احتجاجات) لأنّ تنظيم داعش على بعد كيلومترات من الحدود التونسية، وهناك إمكانية لأن تكون هذه الأحداث بمثابة عملية جس نبض لمصلحة الجماعات الإرهابية المتطرفة، إذ وقعت محاولات لرفع الرايات السوداء أثناء الاحتجاجات››.
أما رئيس الجمهورية التونسية، الباجي قائد السبسي، فقد جدد، أمس على هامش قمة السبع في ألمانيا، التأكيد على موقف تونس من النزاع الليبي المعارض بشدة لأي حل عسكري، وتشبثها بأن تبقى ليبيا موحدة ومستقرة. وقال السبسي إن «تونس تواجه، أكثر من أي بلد آخر، التأثير المباشر للأزمة الليبية، حيث تنامى التهديد الإرهابي وانتشر السلاح مع غياب سلطة مركزية وبروز مجموعات متطرفة». وأشار في السياق إلى أن تونس تنادي بحل سلمي للنزاع الليبي، مبيناً «الاستعداد للوساطة والتدخل في الوقت المناسب بغاية إقناع الأطراف المعنية من أجل الانحياز الى حل توافقي». وذكّر بأنّ ليبيا كانت الشريك التجاري الثاني لتونس.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة وكل الأحزاب السياسية في تونس ترفض التدخل العسكري في ليبيا وتساند الحل السياسي والحوار بين الأفرقاء الليبيين للتوصل لحل ينهي مسلسل العنف الذي ينعكس على أراضيها.
كاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف الشؤون الأمنية، رفيق الشلي، يقول في حديث لـ»الأخبار»، «بطبيعة الحال الوضع الأمني في ليبيا سيلقى بظلاله حتماً على الدول المجاورة وعلى رأسها تونس. نحن منتبهون جداً لتوسع داعش هناك، وخصوصاً بعد السيطرة على أحد المطارات، ونقوم بالتنسيق مع الجزائر، خاصة، لمراقبة تحركات هذا التنظيم وخططه وتقدمه ميدانيا».

عدد التونسيّين الذين يقاتلون في صفوف التنظيمات المتشددة في ليبيا في تزايد

ونجح تنظيم «داعش»، الأسبوع الماضي، بالسيطرة على مدينة سرت ومدينة هراوة، شرقاً، إثر مواجهات مع قوات تابعة لـ»فجر ليبيا»، فيما اعتبرت عدة تقارير أنّ التنظيم يسعى للسيطرة على حقول وآبار نفطية بهدف تحقيق توازن مالي يسمح له بتعزيز قدراته العسكرية. وفي ظل تلك التطورات، أشارت تقارير إعلامية إلى أنّ الدول المجاورة لليبيا ــ الجزائر ومصر وتونس ــ اتفقت على مضاعفة إجراءاتها الأمنية عند الحدود.

«داعش»: بين المخاطر والحرب النفسية

في حديث إلى «الأخبار»، يرى الخبير في التنظيمات الجهادية، علية العلاني، أن تونس تأثرت بالوضع الأمني في ليبيا، فمن بؤرة لإدخال السلاح منذ 2011، تحولت في مرحلة ثانية إلى ملجأ للجهاديين التونسيين الملاحقين قضائيا، أو حتى إلى قبلة لآخرين يتدربون هناك وقد يعودون إلى تونس بقصد تنفيذ عمليات.
ويشرح العلاني قائلاً، «اليوم تطورت الأوضاع أكثر وأصبحت أكثر خطورة. فتونس تعيش اليوم على وقع تهديد صريح لها وجهه داعش في ليبيا، وخاصة بعد الانتصارات الميدانية المتتالية التي يحققها على حساب قوات فجر ليبيا والميليشيات الأخرى، بالإضافة للضربات التي يتلقاها التنظيم في العراق وسوريا وهو الذي يرى أن ليبيا والمغرب العربي عموماً حديقة خلفية له، وإذا جرت محاصرته في المشرق، فإنه سيلقي بثقله ويراهن أكثر على المغرب العربي».
ويرى الخبير أنّ «داعش» أصبح اليوم يمثل خطرا على الدول المجاورة لليبيا عموماً، وعلى تونس خصوصاً، نظراً لتركز كل المدن الليبية الكبرى، وخاصة التي تخضع لحكومة طرابلس المدعومة من قوات «فجر ليبيا»، والتي يسعى التنظيم للسيطرة عليها، بالقرب من الحدود التونسية الليبية.
واستناداً إلى تقارير أمنية، فإنّ عدد التونسيّين الذين يقاتلون في صفوف التنظيمات المتشددة في ليبيا في تزايد مستمر ليتجاوز 500 شخص، منهم من كان يقاتل في صفوف «داعش» في سوريا والعراق، ومنهم من كان في شمال مالي، ومنهم من سافر إلى ليبيا انطلاقا من تونس بعد سقوط نظام معمر القذافي. ومثّلت ليبيا ملجأ لتنظيم «أنصار الشريعة» في تونس و»أميره»، أبو عياض، بعد تصنيفه من طرف السلطات التونسية كتنظيم إرهابي وملاحقة قيادته ومحاكمتهم، وملجأ أيضاً لعدد من الجهاديين التونسيين الذين لا يتوانون عن نشر مقاطع فيديو تتضمن تهديدات بالانتقام واجتياح تونس وتحويلها لـ»إمارة».
من جهة أخرى، نفى، أمس، العميد السابق في الجيش التونسي ورئيس «المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل»، مختار بن نصر، ما يتردد بشأن اقتراب «داعش» من الحدود التونسية، مشراً إلى أنّ مثل هذه التصريحات «تدخل في إطار الحرب النفسية التي تعتمد على البروباغندا والشائعات لضرب المعنويات والتأثير على أداء المؤسستين الأمنية والعسكرية».