وبالتوازي مع انشغال الجيش بأولويّة طارئة فرضتها «ملحمة حلب الكبرى»، تقدّمت قوات «درع الفرات» من شمال الباب ــ بعيداً عن مناطق الاحتكاك مع الأكراد والجيش السوري ــ مستعيدة تغطيتها الجوية التركية بعد غياب دام 23 يوماً، عزته مصادر في الجيش التركي حينها إلى تجنب الدفاعات الجوية السورية التي هدّدت بإسقاط الطائرات التركية العابرة لأجواء الشمال.
وقد تشير عودة الزخم التركي إلى وجود قرار واضح من أنقرة بخوض مغامرة الباب، بالتوازي مع تصعيدها المطّرد تجاه الأكراد، وخاصة في عفرين، ما قد يؤكد بوضوح أن الأجندة التركية في الشمال السوري تحتوي على فصول خاصة بالأكراد، تلي «مكافحة داعش»، قد تمتد من منطقة عفرين حتى شرق الفرات، وتحديداً محيط تل أبيض.
تؤكّد المصادر السوريّة أن الباب لم تخرج من قائمة أولويّات دمشق
بحسابات الجغرافيا، باتت قوّات الغزو التركي هي الأقرب إلى الباب، إذ سيطرت، خلال اليومين الأخيرين، قوات «درع الفرات» على مجموعة قرى وبلدات وضعَتها على تخوم مدينة الباب، ومن بينها قديران، عولان، سوسيان، الدّانا، جبل الدير، والحدث. ويؤكّد مصدر من إحدى المجموعات المشاركة في «درع الفرات» لـ«الأخبار» أنّ «إشارة الانطلاق نحو تحرير الباب ستُعطى في أي لحظة، ونحن على أهبة الاستعداد». ولا يبدو أن التقدّم التركي المستمر قد تكفّل ــ حتى الآن ــ بحسم «ماراتون الباب»، إذ تؤكّد مصادر عسكريّة سوريّة لـ«الأخبار» أنّ «القوّات السوريّة لم تُخرج أي منطقة في محيط حلب من حساباتها، وإن فرضت بعض المعطيات تأخيراً على هذه الجبهة أو تلك». ويتزامن كلام المصدر مع معطيات عسكريّة عدّة تؤكّد أنّ الجيش السوري وحلفاءه على وشك القيام بـ«شيء ما» على جبهات حلب، مع بقاء باب الاحتمالات مفتوحاً حول خطوط النار التي ستحظى بأولويّة عن سواها.
وكما تؤكّد المصادر السوريّة أن الباب لم تخرج من قائمة الأولويّات، تُبدي مصادر في «قوّات سوريا الديمقراطيّة» ثقةً مطلقةً بأنّ «الذراع التركيّة ستُقطع في الباب». ويقول مصدر من «قسد» لـ«الأخبار» إنّ «دخول الغازي التركي إلى الباب، إن حصل، فلن يكون إلا بمثابة مرور عابر، والعبرة في صاحب الكلمة الفصل، ولن يكون التركي ولا أعوانه بحال من الأحوال». وعلاوة على العرقلة التي لعبتها «درع الفرات»، يبرز عائق آخر يحول بين «قسد» وبين الإقدام على فتح جبهة الباب في الوقت الرّاهن، وهو غياب الغطاء الجوي الذي يمثّل ضرورة حيويّة لا غنى عنها في معركة مماثلة، إذ كانت «قيادة التحالف الدولي» (الولايات المتحدة) قد أبلغت «قسد» بشكل قاطع أنّها «لن تدعم تحرّكاً من هذا النوع»، في ما يبدو استجابة للرغبة التركيّة. في الوقت نفسه، لم تُقابل الرسائل غير المباشرة التي أرسلها مسؤولو «قسد» في منطقة عفرين إلى دمشق، حول «استعدادهم للتنسيق في شأن الباب»، بتجاوب حتى الآن. وكرّرت مصادر «المقاومة الوطنيّة السوريّة» استعدادها لخوض هذه المعركة بوصفها «جزءاً أساسيّاً من مقاومة المحتل التركي». وقال «رئيس المكتب السياسي» ريزان حدو لـ«الأخبار» إنّ «الظرف بحاجة إلى قرارات جريئة، ونحن ما زلنا نسعى إلى تواصل مباشر مع الحكومة السوريّة ومن دون وسطاء».
أما منطقة عفرين، فهي لم تغب عن مشهد التطوّرات العسكريّة. وفيما تتوالى الأنباء عن استعدادات «جبهة النصرة» لشنّ هجوم انطلاقاً من ريف إدلب المتاخم، شهد حاجز الغزاويّة أمس حادثةً هي الأولى من نوعها، تمثّلت باستهدافه بغارة جويّة. وتناقلَت مصادر إعلاميّة أنباءً عن أن طائراتٍ روسيّة هي من قامت بقصف النقطة التي تُعتبر صلة وصلٍ بين دارة عزّة في ريف حلب الغربيّ ومنطقة عفرين. وأكّد مصدر من «مجلس سوريا الديموقراطيّة» لـ«الأخبار» أنّ «أحد الصواريخ التي لم تنفجر يحمل كتاباتٍ روسيّة، لكنّنا حتى الآن لسنا متأكّدين من هوية الطائرة التي استهدفت الحاجز». المصدر أوضح أنّ «الغارة تزامنت مع وصول عدد من السيارات إلى الحاجز، وأدّت إلى استشهاد ثمانية أشخاص من بينهم ضابط في الأسايش، إضافة إلى عدد من المدنيين، كما خلّفت أكثر من خمسين مصاباً». في الأثناء، واصلت المدفعيّة التركيّة أمس استهداف مناطق عفرين، وطاولت بشكل أساسي سنّارة وقسطل جندو، فيما جدّدت «وحدات حماية الشعب» الكردية توعّدها بالرد. وعلى صعيد متّصل، استُهدفت منطقة سد الشهباء والقرى المحيطة، مساء أمس، بقصف تركي مكثّف بالمدفعيّة وراجمات الصواريخ. كذلك، أكدت مصادر «قسد» الأخبار عن أنّ «الطائرات التركية عادت إلى التحليق في سماء منطقتي سد الشهباء وعفرين خلال الأيّام الأخيرة».