منطقة عفرين (ريف حلب الشمالي الغربي) مرشّحةٌ لتصدّر عناوين الأخبار خلال المرحلة المقبلة. المنطقة التي استمرّت الحرب في الدوران حولها مرّة في صورة حصار خانق تناوبت عليه معظم المجموعات المسلّحة في الشمال السوري (بدءاً بـ«لواء التوحيد» مروراً بـ«داعش» وصولاً إلى «النصرة») وحيناً على شكل قصف تركي مستمر ترافقه انتهاكات للمناطق الحدوديّة، تجدُ نفسها اليوم عُرضةً لهجوم كبيرٍ مُحتمل قد تشنّه «جبهة فتح الشّام / النصرة» وشركاؤها. ولا تقتصر المؤشّرات على ما تتداوله بعض مواقع وصفحات المجموعات المسلّحة عن قرب هذا الهجوم، بل تتعدّاه إلى معطياتٍ بعضُها ملموسٌ على الأرض تمكن ملاحظته على التخوم الجنوبيّة الغربيّة، وبعضُها تُمكن قراءته في الكواليس الأميركيّة وراء المحيط.مصادر محليّة أكّدت لـ«الأخبار» أنّ «فتح الشّام» عملت خلال الأسبوعين الأخيرين على تعزيز عديد مسلّحيها في مناطق ريف إدلب الغربية المتاخمة لناحية جنديرس. وأشارت أيضاً إلى «نقل أسلحة ثقيلة خلال الأسبوع الأخير» إلى تخوم جنديرس على وجه الخصوص. وتؤكّد مصادر في «مجلس سوريا الديمقراطيّة» لـ«الأخبار» أنّ «شنّ هجومٍ اعتماداً على العمق الحيوي الذي توفّره كلّ من أطمة وباب الهوى نحو جنديرس ثمّ عفرين لا يُعدّ مخططّاً جديداً، بل يعود إلى ثلاث سنوات مضت، ويبدو أنّ إيعازاً تركيّاً بإحيائه قد صدر أخيراً». ولا تقتصرُ الأهداف التي قد يسعى هجومٌ مماثلٌ إلى تحقيقها على مجرّد إشغالٍ لقوّات «قسد»، ولا صلةَ لها بقطع طرق الإمداد الكرديّة نحو مدينة حلب، فالهجوم المتوقّع يستهدف الخاصرة الجنوبيّة الغربيّة لعفرين بينما يُعدّ محور عفرين ــ نبّل ــ الكاستيلّو (جنوب شرق) الشريان الرابط بين عفرين ومدينة حلب. وثمّة أهداف «استراتيجيّة» كبرى قد تدفع أنقرة إلى الإيعاز بإطلاق معركة من هذا القبيل، وأخرى «وجوديّة» قد تشحذ همم «النصرة» وحلفائها إلى فتح مثل هذه الجبهة.
لا تعدّ أنقرة
بعيدة عن المشهد نظراً إلى عدائها
مع أكراد سوريا

ولا تبتعد الدوافع التركيّة بطبيعة الحال عن العداء التاريخي المستحكم بين أنقرة من جهة، والقوى الكرديّة في سوريا من جهة أخرى، علاوةً على ما قد يتركه إشعال هذه الجبهة من انعكاسات على مسارات الغزو التركي للشمال السوري تحت عنوان «درع الفرات». وكانت المجموعات المنضوية تحت راية «الدرع» قد حاولت تقليص نفوذ «قسد» وطردها من تل رفعت ومن بعدها من كل مناطق «سد الشهباء»، قبل أن يفشل هذا المسعى نتيجة استماتة مقاتلي «قسد» في الأيام الأولى للمعركة ومن ثمّ الضوء الأحمر الأميركي الذي دخل على الخط. وترى مصادر «قسد» أنّ «هجوماً محتملاً ضدّ عفرين قد يسعى أيضاً إلى عرقلة مسار معركة الرّقّة، ولكنّ هذا الهدف لن يتحقّق، فالقوّات التي تسعى إلى تحرير الرقّة منفصلة عن قوّات الدفاع عن عفرين وجميعُها على أهبة الاستعداد لإنجاز مهماتها».
ويبدو أنّ «قسد» قد استشعرت أخيراً مخاطر متزايدة من الاستهداف التركي المستمر لعفرين، ما دفع فرات خليل، الناطق باسم «وحدات حماية الشعب في مقاطعة عفرين»، إلى التلويح بأنّ «الوحدات سترد من الآن فصاعداً على أي اعتداء تركي يستهدف عفرين». وبدوره يؤكّد ريزان حدّو رئيس المكتب السياسي لـ«المقاومة الوطنية السوريّة» لـ«الأخبار» أنّ «ردّنا على أي هجوم من هذا النوع سيحمل مفاجآت للأتراك تفوق تصوّراتهم، سواء في ما يتعلّق بحجم الرّد أو بطبيعة وهوية الجهات التي ستواجههم». وعلاوة على الدوافع التركيّة ثمّة دوافع تجعل من معركة عفرين مغريةً لـ«النصرة» وحلفائها وتحوّل المنطقة إلى هدف لتلاقي مصالح مع الأتراك.
وترتبط دوافع «النصرة» في الدرجة الأولى بالحصانة الطبيعيّة التي توفّرها جبال عفرين المليئة بالمغاور والسّراديب الطبيعيّة (تراوح الارتفاعات بين 700 متر و1300 متر). وتؤكّد مصادر «الأخبار» في عفرين أنّ «إتاحة نفوذ على المناطق الجبليّة في المنطقة كانت أحد المطالب المستمرّة لـ"النصرة" التي وصلتنا عبر وسطاء من "الجيش الحر" في مراحل الحصار». وتولي «النصرة» أهميّة خاصّة للمناطق الجبليّة لأهداف «مستقبليّة» تتعلّق بمعركة مقبلة (وإن تأخّرت) تستهدف «إمارة إدلب» تحت شعار «الحرب على الإرهاب». وبدأت «النصرة» منذ أواخر العام الماضي الاستعداد لمرحلة «تورا بورا سوريا» عبر تجهيز تحصينات على امتداد إدلب، ولا سيّما في المناطق الجبليّة منها (مثل جبل الأربعين). (راجع الأخبار، العدد 2773) وإذا كان الحديث عن مثل هذه الأهداف قد يُعد ضرباً من «المبالغات» في نظر البعض، فإنّ الأمر يبدو مختلفاً على الأرجح من وجهة نظر الاستخبارات الأميركيّة.
وتفيد معلوماتٌ صحافيّة أميركيّة بأنّ التقارير الأكثر سرية للاستخبارات الأميركيّة خلال الصيف الماضي كانت تؤكّد للإدارة الأميركيّة أنّ «الجبهة (المقصود النصرة) تسمح للقادة في أفغانستان وباكستان بتشكيل ملاذ آمن لتنظيم القاعدة في الجزء الشمالي الغربي من سوريا». ويبدو لافتاً في هذا السّياق ما نقلته «واشنطن بوست» أمس عن قيام الرّئيس باراك أوباما بتوجيه البنتاغون الى «العمل على زيادة عدد الطائرات من دون طيار وتوسيع المعلومات الاستخبارية في المجال الجوي فوق الشّمال الغربي لسوريا وتكثيف الحملة ضدّ هذه الجماعة (النصرة)».