على الرغم من تلوين المشهد بالكثير من الشغب وفتح ملفات مدنية وعلمانية وتقديم الأعضاء مداخلات جريئة، منذ انتخاب المجلس قبل أشهر، لم يتمكن البرلمان السوري من تحويل «الملفات» إلى مشاريع. الجلسات الأخيرة التي تميزت بنقل كلام الشارع ومساءلة الحكومة عن الكثير من القضايا العالقة، والتي ينتظر السوريون من خلالها ما يضمن لهم تحسيناً في الأوضاع المعيشية، لم تأتِ شافية للحد من مخاوف الناس وتلبية تطلعاتهم. إنما يحسب لمجلس الشعب الجديد دخول حملات شعبية ونداءات عدة حيّز النقاش تحت قبّته، من بينها حملة «استبدال مادة التربية الدينية بمادة الأخلاق»، التي دعا إليها سوريون من الداخل والخارج، قبل عامين، في وجه حملات التكفير والإرهاب المستعرة في البلاد. وخلال مواكبة الحملة المذكورة عام 2014، نقلت «الأخبار» عن مؤسسي الحملة تطلعهم إلى «الاستمرار في حملتهم حتى وصول المطلب إلى مجلس الشعب والقصر الجمهوري». اللافت أنّ مجلس الشعب الجديد ناقش في أوائل جلساته، منتصف هذا العام، ملف استبدال التربية الدينية في المدارس بمادة الأخلاق، منعاً من فصل الطلاب دينياً خلال تنشئتهم التربوية في المدرسة.
صالح: التقاء البعثيين مع الإسلاميين في ملفات عدة
مداخلات عدة من قبل نواب علمانيين، أغلبهم قوميون سوريون ومستقلون، أكدت ضرورة البدء بالتغيير من المدارس والمناهج من خلال دراسة مشروع قرار يقضي باستبدال التربية الدينية بمادة الأخلاق، ليرفض أعضاء آخرون مشروع القرار، وعلى رأسهم النائبتان فرح حمشو وريم الساعي، الأمر الذي أسفر عن تلفيق دعوات عن لسان النائبة حمشو تطالب بفصل الإناث عن الذكور في المدارس. اللغط الحاصل اضطر حمشو إلى نفي ما نسب إليها، مكتفية بتأكيد مطالبتها ببقاء التربية الدينية، حتى «لا يخلق فراغ يدفع الطالب إلى البحث عنه في مكان آخر غير مضبوط».وعلى الرغم من وصول الحملة إلى تحقيق جزء من أمنيات مؤسسيها بالوصول إلى مناقشتها، ضمن مشروع قرار مقدّم إلى مجلس الشعب، غير أن تطبيق القرار لا يبدو قريباً. الإعلامية المغتربة ماغي خزام، وهي من مؤسسي «الحملة»، تحدثت لـ«الأخبار» عن عدم رضاها عن آلية مناقشة الملف في مجلس الشعب، إذ لم يأمل مؤسسو الحملة أن تطرح الحملة للنقاش بشكل سطحي، من غير جدول عمل ودراسات تهدف إلى تعميق علم الأخلاق والمبادئ الإنسانية في نفوس الأطفال. وتابعت خزام: «الإنسانية أهم من الأخلاق. وهي أسلوب حياة يبدأ من خلال قرار الدولة تعميمه، وذلك بمنع التعاطي في الشأن الديني داخل المدارس تحت طائلة الغرامة المادية، إضافة إلى الاهتمام بالدعم النفسي في المدارس من طريق جلسات أسبوعية للأطفال». وحول وردية مطالبها واستحالة تطبيقها في الوضع الراهن تقول: «واجبنا أن نزرع بذوراً صحيحة، بينما قدرة المسؤولين على الأخذ بها أو عدمه، هو شأنهم». وتضيف خزام: «ليس الهدف إلزام الطلاب بكتاب جديد مبني على الحفظ والتلقين ورميه بمجرد انتهاء العام الدراسي. ما فائدة مثل كتب كهذه تعنى بالإنسانية والأخلاق في حقيبة طفل جسده ازرقّ من شدة الضرب والعنيف الأسري؟».
وما يراه البعض طرحاً حالماً لا يتناسب مع وضع البلاد وفوضى الحرب القائمة، يصفه النائب نبيل صالح بعد نقاشه في مجلس الشعب، بمجرد «حكي مَقاهٍ»، إذ يرى البرلماني المشارك في طرح مشروع القرار وأحد أبرز المطالبين فيه، أن الدولة متحالفة مع المؤسسات الدينية، منذ بداية ثورة البعث، التي توقفت أمام باب مديرية الأوقاف، من غير أن تتجرأ على الدخول وإعادة هيكلتها. ويلفت إلى «التقاء البعثيين مع الإسلاميين في ملفات عدة، في ظل تأكيدهم لجدلية العروبة والإسلام». ويوضح النائب السوري أن «الكتلة البعثية الوازنة في مجلس الشعب لن توافق على تغيير مناهج التربية الدينية التي يدرسها الطلاب»، مضيفاً طرحه بتدريس سائر المذاهب والأديان التي يدين بها السوريون، ضمن منهاج التربية الدينية، على اعتبار ذلك «ضرورة لتعريف بعض الناس بمذاهب بعضهم الآخر، لعلهم يتخلصون من الروايات العنصرية لدى أبناء كل مذهب ضد الآخر»، بحسب تعبيره. ويلتقي رأي صالح مع رأي مؤسسي «حملة استبدال التربية الدينية» على أن «الأخلاق تكتسب من خلال التربية في البيت والمدرسة معاً، وهي أكبر من كونها طروحات نظرية». ويعد صالح بطرح «فكرة جديدة خلال جلسات مجلس الشعب الحالية، يمكنها أن ترضي الطرفين من علمانيين وإسلاميين متنورين، تتعلق بتدريس تاريخ الأديان وتبيان ثمار ذلك في ثقافة الجيل السوري الجديد، الذي اكتوى بنار السلفيين».