دخلت معركة الموصل إطارها «الفعلي»، إثر إعلان قيادة العمليات المشتركة عن وصول قواتها إلى أحياء المدينة الشرقية، وذلك بعد أكثر من أسبوعين على إطلاق عمليات محافظة نينوى. ووصلت القوات العراقية إلى الأحياء الشرقية قادمةً من الجهة الجنوبية الشرقية، وسط اشتباكات عنيفة مع مسلحي «داعش». واختارت التقدّم من تلك الجهة لاتصالها بالمحاور الجنوبية، التي تشكّل خطوط إمدادٍ رئيسية للقطعات العسكرية في المنطقة.وبحسب الخطّة المرسومة، فإن التقدّم باتجاه المدينة سيأخذ اتجاهين، مقسّمين على محاور عدّة:
الاتجاه الأوّل، هو من شرق المدينة (لتطويقها)، وتتولاه القوى الكردية، فيما الاتجاه الثاني من جنوب المدينة إلى شمالها، وتتولاه القوى العراقية الرسمية. واعتمدت بغداد على تقسيم مناطق المسؤولية داخل الموصل، على العُرف المدني فيها، أي «الأيسر والأيمن»، إذ يخترق نهر دجلة المدينة من شمالها الى جنوبها الشرقي، ويقسمها إلى نصفين متساويين، ويسمى الأوّل الساحل الأيسر أو الموصل الجديدة، فيما الثاني الساحل الأيمن، أو الموصل القديمة. وإذا كان الانتشار السكّاني في الساحل الأيسر يُعتبر كثيفاً (أكثر من 600 ألف مدني)، فإن الساحل الأيمن يضمّ ضعف عدد سكّان المقلب الآخر.
وبدأت عمليات يوم أمس باقتحام مفاجئ لـ«جهاز مكافحة الإرهاب» لمنطقة كوكجلي، عند أطراف الساحل الأيسر، شرقي المدينة. وما إن حقق الهجوم أهدافه، حتى انكشفت جميع دفاعات «داعش» في محيط المنطقة، فاندفعت «الفرقة التاسعة»، في الجيش العراقي، نحو العمق، وتمكّنت من إحكام سيطرتها على مبنى إذاعة وتلفزيون «نينوى»، حيث موقع الإذاعة المحلية للتنظيم. وواصلت القوات تقدّمها ببطء، فقضمت عدداً من الأحياء، قبل أن تكرّس خطّ تماس لا يبعد عن المركز الرئيسي للمدينة سوى خمسة كيلومترات.
ومن المنتظر اليوم أن تستكمل القوات تقدّمها في الساحل الأيسر بغية الوصول إلى ضفّة دجلة، فيما تتوقع أوساط مراقبة أن يُعلن الساحل الأيسر منطقة محرّرة في الأيام المقبلة. وتعزو مصادر مطّلعة سبب قصر الفترة الزمنية نسبياً، إلى أن بغداد على علمٍ وإحاطة بتحصينات تنظيم «داعش»، ونقاط تجمع وانتشار مسلحيه في الأحياء الشرقية، أو الساحل الأيسر. وتشير المصادر، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن بغداد، بمؤسساتها المختلفة، و«بالتعاون مع التحالف الدولي»، تمتلك خريطة تفصيلية لحجم «القوّة الداعشية» هناك، لافتةً إلى احتمال إنهاء المهمة خلال أسابيع معدودة.
يسود بغداد تخوّف كبير من الدخول في عمليات ساحل المدينة الأيمن

لكن في الوقت الحالي، تهاب المصادر أمرين: يسود بغداد تخوّف كبير من مرحلة ما بعد الساحل الأيسر، والدخول في عمليات الساحل الأيمن، حيث تفتقر إلى خريطة مماثلة. ويعتري حيدر العبادي وفريقه العسكري والأمني خوفٌ من انتقال المعركة إلى هناك، لافتقادهم عنصر الاستعلام والمعلومات، أوّلاً، وللطبيعة العمرانية المسيطرة على المدينة، ثانياً، ولحشد التنظيم لمقاتليه هناك، ثالثاً.
وتذهب المصادر في سياق شرحها إلى حدّ القول إنّ «التقدّم البرّي في الأحياء الشرقية أشبه بلعبة أتاري»، في إشارة إلى مدى إحاطة القوى العراقية بقوّة «داعش» النارية، ما سوف يساهم في استيعاب أي ردّ فعل يقوم به مسلحو التنظيم. وتشدّد المصادر على أن بغداد «متيقنة» من أن خطّة التنظيم الحالية مرتكزة على إعاقة التقدّم البرّي ما أمكن، واستنزاف قواتها، ودفعها للتوجّه إلى موصل القديمة، بعد انسحاب المسلحين من موصل الجديدة، حيث سينتقل مسلحو التنظيم هناك من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، وتحديداً خلف خطوط المهاجمين، لخلق حالة من الإرباك، واستنزاف جديد طويل الأمد.
وعن داخل المدينة، فقد أشار ناشطون محليون، في حديثهم إلى «الأخبار»، إلى ارتباك كبير يسود صفوف تنظيم «داعش»، حيث وصل ذروته في منطقة تلكيف شمالاً، مع اقتتال عناصر التنظيم في ما بينهم، بعد تنازعهم بين القتال أو الفرار. وتضيف المصادر أن «داعش» لم يتمكن من استيعاب الصدمة الأولى، وبدل أن ينظّم صفوفه، راح يجمع شبّان المناطق القريبة من مواقع الجيش العراقي، لا سيّما أحياء الكرامة، والسماح، والشقق الخصراء، ويزجّهم في المساجد، قبل أن يبدأ عملية تدقيق في أسمائهم، باحثاً عن كل منتسب سابق إلى «قوى الأمن» أو موظف حكومي. وذهبت المصادر إلى أنّ «التنظيم عزل حوالى ١٣٠ شاباً، انطبقت عليهم الصفات، ثم اقتادهم إلى مواقع للإعدام، مطلقاً النار عليهم جميعاً، خشية تعاونهم مع القوات العراقية».
أما عن سكّان مناطق الساحل الأيسر، فهم «يرزحون تحت رعب شديد، ويخشون من لجوء التنظيم إلى التمترس بهم أو في منازلهم». وفق الناشطين، لم تسجل معظم شوارع أحياء الكرامة، والقدس، وعدن، والانتصار، وفلسطين، ودوميز، وسومر، والميثاق، والوحدة، القريبة من مواقع الاشتباك، أي حركة تذكر، بعدما لزم المدنيون منازلهم. لكن عدداً من العوائل في منطقة يارمجة، على ضفّة النهر، عبرت إلى الساحل الأيمن، بعد سماعها دوي انفجارات في مناطق قريبة.
وبالعودة إلى المنجز الميداني، فقد نقلت وكالة «الأناضول»، عن العميد الركن في قيادة عمليات نينوى أحمد عزيز، أن «الوجهة القادمة للقوات هي تحرير منطقة الشلالات داخل المدينة»، لافتاً إلى أنه «في حال تمكّنت القوات من اقتحام الشلالات، فإن القائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، سوف يعلن رسمياً دخول مدينة الموصل، لتبدأ الصفحة النهائية».
لكن، رغم دخول «جهاز مكافحة الإرهاب» إلى موصل الجديدة، فإن قوات «الشرطة الاتحادية» و«الرد السريع» لا تزال عالقةً أمام عقدة حمام العليل، جنوبي المدينة. وفي السياق، أشار قائد «الشرطة الاتحادية»، الفريق رائد شاكر جودت، إلى أن «قواته تضيّق الخناق على الإرهابيين في ناحية حمام العليل استعداداً لعملية استعادتها».
وفي السياق، واصلت فصائل «الحشد الشعبي» عملياتها في المحور الغربي لمدينة الموصل، حيث استعادت قرى الخوين، أبو حجيرة، خويتله، خربة اليزيدي، صهيل عباس، لتتمكّن بذلك من قطع كل خطوط التواصل بين مركز المدينة والقرى الجنوبية. ولفتت مديرية «الإعلام الحربي»، في «الحشد»، إلى أن «مجمل ما تم تحريره من قرى بلغ عدده ٤٦ قرية خلال أربعة أيام، وتبلغ مساحة تلك القرى حوالى 590 كلم مربعاً».
(الأخبار)