القاهرة | «المشروعات القومية»، كلمة السر التي استخدمها كل الرؤساء المصريين من قبل، كأنهم جميعا يقرأون من الكتاب نفسه، فـ«كي تنجح شعبيا تحدث كثيرا عن مشروعات قومية»، هكذا يقول النص في كتاب «رؤساء مصر». عبد الفتاح السيسي، مثل غيره، عندما قرر تقديم كشف حساب عن عامه الأول في الحكم لم يجد أفضل من مشروع قناة السويس الجديدة، كواجهة لحصاد السنة، معتبرا التفريعة الثانية للقناة ــ المقرر افتتاحها للملاحة بغضون شهر آب المقبل - أهم إنجازاته في السنة الأولى، ويدعم هذا المشروع بالتحديد رغبة الرجل في تقديم نفسه للمصريين كزعيم قومي، مسترجعا صورة الرئيس جمال عبد الناصر، محرر القناة من الاستعمار ومؤممها.
وحرص السيسي، منذ اليوم الأول له في الحكم، على تبني «المشروعات القومية» واستخدام الخطاب العاطفي والحماسي في الترويج لها، مع أن هذا لا ينفي أنه لم يبلور حتى الآن رؤيته وطريقته الخاصة لحكم البلاد، التي بات واضحا أنها لا تختلف كثيرا عن سياسات حسني مبارك وحكوماته المتعاقبة، وتحديدا في الاعتماد على الخارج من أجل تمويل الداخل من دون اللجوء إلى أفكار الاكتفاء الذاتي والاستفادة من القوى العاملة الكبيرة.
ولا شك في أن السيسي لم يعد بشيء قبل وصوله إلى الكرسي كما لم يقدم برنامجاً واضحاً أثناء ترشحه للرئاسة، ولكنه وعد بالكثير من المشروعات القومية؛ كتوسعة قناة السويس، والمركز اللوجستي للحبوب، ومشروع المليون فدان، ومشروع المليون وحدة سكنية... تقريبا هذه هي المشروعات العملاقة التي وعد بها في بداية حكمه.
وحتى انتهاء هذه السنة من حكمه، فإن المشروع الواضح بين تلك المذكورة هو قناة السويس، أما البقية فلا تزال محل جدل كبير في كل تفاصيلها، رغم انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي قبل أشهر ومروره بسلام؛ فمثلاً لم تتخذ الحكومة أي خطوات جادة في مشروع إنشاء مركز لوجستي للحبوب والغلال والسلع الغذائية، الذي من المقرر أن يقام في مدينة دمياط على البحر الأبيض المتوسط، مع أنه في الأسبوع الأول من الشهر الجاري عرضت إحدى الشركات الإيطالية العالمية الكبرى ــ في مجال إنشاء الصوامع وتخزين الحبوب ــ المشاركة والاستثمار في المركز.
وكان العرض يشمل تحالفاً استراتيجياً تُنشأ بموجبه عدة صوامع حديثة لتخزين الأقماح والحبوب، ولكن هذا العرض الأخير يعني أن المشروع لم يحدث فيه أي تقدم برغم مرور عام على الوعد به، إضافة إلى أن مصادر صحافية كانت قد تحدثت عن وجود عيوب فنية كبيرة في المشروع قد تعطله تمام.
أما مشروع المليون وحدة سكنية، الذي تحدث عنه السيسي وتنفذه شركة «ارابتك» الإمارتية، فجرى خلط متعمد بينه وبين المشروعات السكنية التي تنفذها وزارة الإسكان، ووضعت خطة بشأنها قبل أن يتولى الرجل رئاسة البلاد، وحتى الآن لا يزال المشروع خارج أطر التنفيذ. وبالنسبة لاستصلاح وتنمية المليون فدان، فمن المتوقع وفق التصريحات الحكومية الانتهاء من المرحلة الأولى منه، بحلول تشرين الأول المقبل، ولا تعدو المرحلة المذكورة وفق الحكومة سوى استصلاح 26 ألف فدان في منطقة الفرافرة، كنموذج مصغر للمشروع، بل يشارك البنك الدولي في المشروع، وتدور الآن مفاوضات معه لمنح الحكومة قرضا بحوالي نصف مليار جنيه بهذا الشأن (100 دولار = 760 جنيها).
بهذا، تكون قناة السويس الجديدة هي المشروع الوحيد الذي جرى تحقيق إنجاز حقيقي فيه على أرض الواقع، ولا تتخطى باقي المشروعات عتبة «قيد الدراسة» أو المرحلة الأولى من العمل.