شكّك علماء آثار إسرائيليون وغربيون، في مقدمهم عالم الآثار الإسرائيلي أهرون مائير (جامعة بار إيلان)، في أصليّة مخطوطة بردى قديمة تعود إلى ما يقرب من ثلاثة آلاف عام، وتحمل كلمة «يورشَالِيماه»، أي الاسم العبري لمدينة القدس المحتلة، فيما هاجم مائير «سلطة الآثار الإسرائيلية»، مؤكداً أن الإعلان حول المخطوطة «كان معروفا مسبقاً، وخصوصاً أنها محل خلاف».في هذا السياق، قالت صحيفة «هآرتس» العبرية، إن «المخطوطة التي كشفت في مؤتمر عقدته سلطة الآثار الإسرائيلية، أول من أمس، كانت قد ضبطت قبل أربع سنوات خلال حملة لوحدة منع تهريب الآثار ضد مهربين ولصوص ينشطون في صحراء الضفة» المحتلة.
وأضافت الصحيفة أن علماء الآثار، البروفيسور صموئيل أخيطوف (الجامعة العبرية)، والدكتور ايتان كلاين، وعمير غانور، من «سلطة الآثار»، أرّخوا مخطوطة البردى على أنها «تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد». أمّا مضمونها، فهو رسالة عن «شحنة نبيذ مرسلة إلى ملك يورشَالِيماه»، في إشارة إلى القدس وعلاقة العبرانيين بها.
بنيامين نتنياهو: تمثّل هذه البردى رسالة من الماضي إلى المنظمة

رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي شارك في المؤتمر، استغل «الاكتشاف» لمهاجمة «منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة ــ اليونسكو»، التي فسّرت إسرائيل قرارها الأخير بأنه «لا يعترف بأنه توجد علاقة بين اليهودية والبلدة القديمة في القدس المحتلة، وخاصة مع الحرم القدسي والمسجد الأقصى»، على اعتبار أن المنظمة لم تستخدم أو تشِر إلى كلمة «هيكل».
وخاطب نتنياهو المنظمة بأن «تشويه اليونسكو للحقائق تخفيه اليوم وثيقة أعلنت عنها سلطة الآثار الإسرائيلية»، مضيفاً أن «كلمة مهمة كتبت على البردى وهي يوروشليماه... هذه رسالة من الماضي إلى المنظمة، لأنها تفسر علاقتنا بالعبرية مع القدس ومركزيتها بالنسبة إلينا»، ثم شدد على أنها «لم تكتب بالعربية ولا الآرامية ولا يونانية ولا اللاتينية، بل بالعبرية».
في هذا السياق، لفتت «هآرتس» إلى أن «أصل أو مصدر المخطوطة غير مؤكد، ومن المرجح أنها حُفرت على أيدي لصوص الآثار في مغارة ناحال حفير». وأضافت أن «تأنّي علماء الآثار في إعلان الاكتشاف قد يكون سببه أنها حفرت بطريقة مفتعلة»، في إشارة إلى التأخر لمدة أربع سنوات على إعلان «الاكتشاف». لكنها بررت في الوقت نفسه، اقتناع العلماء بـ«أصليّة وصحة المخطوطة بناء على تجارب استخدمت فيها مادة كربون 14 لتحديد التاريخ العائد إلى القرن السابع قبل الميلاد، إضافة إلى أبحاث أجريت على النقوش تتوافق مع النص العبري القديم».
وخلافاً لمزاعم سلطة الآثار الإسرائيلية، شكك البروفيسور أهرون مائير، خلال مشاركته في مؤتمر «تجديدات في علم الآثار في القدس»، أمس، في أن تكون المخطوطة أصلية، مضيفاً: «منذ البداية كانت هناك شكوك حول هذه المخطوطة». وخاطب سلطة الآثار بالقول: «أنا أصدقكم... لكن الآخرين لن يصدقوكم. كيف سنثبت أن هذا ليس تزييفاً موجهاً إلى السوق (السوداء) للموجودات الأثرية؟ أيضاً كيف لنا أن نقر بأن هذا ليس تزييفاً بمستوى عال، وخصوصاً أنه قد يمهد الطريق أمام قطع بردى أخرى مستقبلاً قد يجري توجيهها إلى سوق الموجودات الأثرية؟».
بالنسبة إلى الاختبارات والفحوص التي أجريت على المخطوطة، شدد مائير على أنها «غير كافية»، مشيراً إلى «حالات عدّة زيّفت فيها الكتابة على مخطوطات قديمة». وقال إنه من الجائز أن تكون «البردى هي القديمة فقط، لا النقوش»، محذراً في الوقت نفسه، من التعامل مع المخطوطة للتوصل إلى استنتاجات وتحليلات تاريخية، وخصوصاً أن إخفاءها من جانب الإعلام والسياسيين وسلطة الآثار لأربع سنوات «يدعو إلى الشك»، وهو الأمر الذي جعله «يتحفظ» على «الاكتشاف».
لم يتوقف التشكيك عند بعض علماء الآثار الإسرائليين فقط، بل لحق بهم البروفيسور في علم الآثار كريستوف رولستون، من «جامعة جورج واشنطن»، الذي كتب في مدونته الخاصة أن «الحقيقة حول خضوع البردى لفحص كربوني لا تؤكد شيئاً حيال النقش نفسه والادعاء بأنه قديم». وأوضح رولستون أن «من السهل جداً اقتناء قطع بردى قديمة عبر شرائها من الانترنت، وخصوصاً أن المزيفيين يفعلون ذلك»، مؤكداً اكتشاف مخطوطات وقطع بردى قديمة، اتضح لاحقاً أنها زُيفت على أيدي فنانين مختصين.
لكن علماء الآثار الإسرائيليين، الذين أجروا الفحوص على البردى، رفضوا الانتقادات الموجهة إليهم، ومنهم أخيطوف الذي تساءل: «لماذا قد يزوّر أحدهم بردى قديمة ويعرّض حياته للخطر؟ ولماذا قد يختار كلمتين (يورشاليماه) و(نعرتاه ــ بنت أو شابة) لينقشهما عليها، وهما كلمتان نادرتان جداً حتى لو كان المزوّر ضليعاً بالنصوص العبرانية القديمة».
لكن أخيطوف نفسه، الذي لم يردّ على الانتقادات من منحى علمي، ربما غاب عن ذهنه أن ما تفوّه به إدانه بحد ذاته، وخصوصاً أن الكلمتين كما قال «نادرتان»، وهو ما قد يكون إجابة عن سؤاله: «لماذا قد يخاطر أحد المزيّفين بحياته من أجل مخطوطة»!