الجيش السوري وحلفاؤه في موقع الدفاع من جديد على جبهات حلب. يمكن اعتبار هذا الهدف الذي ضمنت أحداث أمس تحقيقَه بمثابة «جملة مفتاحية» للنسخة الأخيرة من «ملحمة حلب الكبرى» في خضمّ مشهدٍ تتداخل فيه حرب الجبهات بـ«حرب الإرادات» في الشمال السوري بأكمله. المعارك التي أطلقها «جيش الفتح» في الساعات الأولى من صباح الجمعة كانت متوقّعةً بعدما تحوّلت إلى ضرورة وجوديّة للمجموعات المسلّحة في ظلّ الانكفاءات المتتالية التي مُنيت بها من جرّاء اكتفائها بأداء دور المُدافع منذ نجاح الجيش في سدّ «ثغرة الراموسة» قبل شهرين. في الصورة الأوسع تبدو الصلةُ وثيقاً بين المعركة الجارية على تخوم مدينة حلب، والمشهد الميداني في الريف الشمالي حيث يواصل الغزو التركي «تمدّده» موسّعاً رقعة الأهداف المتوخاة من «درع الفرات» نحو منطقة الباب (38 كيلومتراً شرق حلب). وخلال الأسبوع الأخير تحوّلت المنطقة المذكورة إلى ما يشبه مغناطيساً يجتذبُ معظم اللاعبين المؤثّرين في الشمال السوري، ما دفع الجيش السوري وحلفاءه إلى إعادة إحياء خطط قديمة للانطلاق نحوَها. («الأخبار»، العدد 3019). ولا تحتاج ملاحظة الترابط بين الجبهتين إلى تمحيص كثير، ولا سيّما مع حرص «غرفة عمليات كتلة النصر» التابعة لـ«درع الفرات» على إبلاغ مسلّحيها وجوب «رفع الجاهزية القتالية لردع أي محاولات لتخفيف الضغط عن جبهات حلب المدينة». وعلى الرغم من أنّ القوات السورية المتأهبة للانخراط في معركة الطريق نحو الباب ما زالت في حالة الجاهزية في نقاط التحشيد، يبدو من المستبعد أن تتحرّك بعيداً عن حلب قبل أن ينجلي غبار المعارك الدائرة على التخوم الجنوبية الغربية، ما قد يمنح «درع الفرات» أفضليّة في السباق نحو الباب. وكانت «جبهة فتح الشام/ النصرة» وشركاؤها قد انخرطوا في الاستعداد لشن هجوم ينشدُ في هدفه المُعلن «فكّ حصار الأحياء الشرقية من حلب، وتحرير الأحياء الغربية» منذ أكثر من أسبوعين.
مثّل «سلاح المفخخات» ركيزةً أساسيّة من ركائز هجوم «جيش الفتح»
وشملت الاستعدادات نقلَ مجموعات من مسلّحي تنظيم «جند الأقصى» (الذي انضوى أخيراً تحت عباءة «النصرة») من جبهات حماة إلى الريف الغربي لحلب عبر إدلب. كما تلقّت «حركة أحرار الشام الإسلامية» و«حركة نور الدين زنكي» دفعاتٍ جديدة من صواريخ «غراد» و«فيل»، ونقلَتها تباعاً عبر المسار ذاته. ومهّدت المعركة لعودة «انغماسيّي الحزب الإسلامي التركستاني» إلى الواجهة بعدما غابوا عنها طَوال الشهرين الماضيين. وبات من المعروف أن فعالية مسلّحي «التركستاني» تكاد تقتصرُ على الأعمال الهجوميّة، كما باتت التبعيّة المطلقة لتركيا واحدةً من المسلّمات في توصيف «الحزب». وجاءت خريطة الهجوم لتؤكّد أنّ الجبهة الجنوبيّة الغربيّة ما زالت خاصرةً رخوةً في دفاعات الجيش السوري وحلفائه في ظل نجاح المجموعات المسلّحة في الحفاظ على نقاط تمركز في كلّ من ضاحية «1070» وسوق الجبس، علاوةً على استنادها إلى عمق حيوي توفّره مناطق ريف حلب الغربي المفتوح على الريف الشرقي لإدلب. وفي تكرار لسيناريوات سابقة مثّل «سلاح المفخّخات» ركيزةً أساسيّة من ركائز هجوم «جيش الفتح» الذي أعدّ وفقاً لمصادر مرتبطةٍ به «عشرات المفخّخات» جرى استخدام سبعٍ منها حتى مساء أمس. ورغم انطلاق الهجمات من نقاط سبق استخدامُها للغرض ذاته في «معركة الكليّات» الشهيرة غيرَ أنّ الوجهة هذه المرّة كانت مختلفةً في ظلّ صعوبة تكرار السيناريو السابق بعدما زاد الجيش السوري تحصيناته على محور الرّاموسة ومحيطه. ويبدو الوصول إلى «أكاديميّة الأسد العسكريّة» على رأس الأهداف المتوخّاة من الهجوم، وهو ما أكّده مصدران من «غرفة عمليّات جيش الفتح» لـ«الأخبار». وحتى مساء أمس، تواصلت الاشتباكات العنيفة على أطراف كلّ من «مشروع 1070 شقّة» و«ضاحية الأسد» وسط تقدّم للمجموعات المسلّحة على هذين المحورين، وصولاً إلى «مشروع 3000 شقّة» في حي الحمدانيّة. كما نجحت المجموعات في التقدّم على محور «مناشر منيان، معمل الكرتون» المتاخم لـ«ضاحية الأسد». وأكّد مصدر ميدانيّ سوري لـ«الأخبار» أنّ «حصول خروقات على بعض المحاور هو أمرٌ طبيعي في سياق عمليّات الكر والفر التي تفرضها ظروف المعارك». المصدر أوضح أنّ «التقييم الأوليّ للمعارك يؤكّد أنّ الأمور بمجملها في نطاق السيطرة، وفي هذا النوع من المعارك يؤدي امتصاص الصدمة الأولى دوراً محوريّاً في نتيجتها النهائيّة». وأضاف «النجاح في امتصاص الصدمة هنا يعني عدم حدوث انهيار في الدفاعات، والقدرة على المناورة كرّاً وفرّاً وهذا الأمر متحقّق». وتنضمّ محاور «مزارع الأوبري» و«الفاميلي هاوس» و«البحوث العلمية» إلى قائمة المحاور التي يُتوقّع أن تشهد ضغطاً متزايداً من المجموعات انطلاقاً من كفر حمرة والراشدين، علاوةً على محور «جمعية الزهراء» الذي تؤدي المعارك عبرَه دوراً أساسيّاً في إشغال القوات السورية. وعلى الرغم من أن مسار الهجمات خلال اليوم الأوّل يبدو بعيداً عن خطوط الطوق الذي يفرضه الجيش السوري على الأحياء الشرقيّة، غيرَ أنّ هجماتٍ أخرى متوقّعة قد تتكفّل بمحاولة إحداث ثُغرٍ فيه، ولا سيّما عبر الاندفاع من محور العامريّة في شكل هجومٍ من الداخل نحو الخارج. وينبع تأخير شنّ هذا النوع من الهجمات إلى مرحلة تالية من واقع أنّ مخزون المجموعات من الأسلحة المتوسطة والثقيلة وذخائرها داخل الأحياء لا يؤهّلها استنزافها من دون حساب، خلافاً لما هو الحال عليه في الهجمات المقبلة من الخارج نحو الداخل.