يُراد لمستقبل مدينة الموصل، ومن بعدها العراق، أن يُكتب بأقلام كثيرة، أبرزها الأميركية والتركية والكردية. وكل واحد من هذه الأقلام له حبر ولون يجعله مختلفاً، أو حتى مناقضاً للآخر. اللون الأميركي، مثلاً، لم يُمحَ بعد، نظراً إلى أثره الذي تركه منذ عام 2003 إلى اليوم. وعاد هذا القلم ليسطّر الحدود التي ستتحرك في داخلها بقية الأقلام، بما يتناسب مع استراتيجية واشنطن التي تدغدغها اعتبارات كثيرة. وفي هذا الإطار، أتت زيارة وزير الدفاع آشتون كارتر، لأنقرة وبغداد وأربيل، خلال اليومين الماضيين، لتثبّت النقطة التي يُبنى عليها التدخّل العسكري، ويُطلق منها الحل السياسي.فرصة جديدة شكلتها عمليات مدينة الموصل بالنسبة إلى الولايات المتحدة من أجل إعادة التموضع في المنطقة، وبغض النظر عن مدى صعوبة تطبيق الطموح الأميركي في هذا المجال أو سهولته، يبقى من الواضح أن واشنطن مستعدة للقيام بأي شيء من أجل ترسيخ قدميها في "عراق ما بعد داعش". وهي انطلقت في هذا المجال من عرض الدعم العسكري والدفع باتجاه معركة الموصل، لتصل إلى اقتراح زيادة الدعم السياسي لرئيس الحكومة حيدر العبادي، في مقابل القبول بمشاركة تركيا في المعركة (بهدف تقييد تحركات أنقرة)، بحسب ما أفادت به مصادر "الأخبار"، الأمر الذي رفضه العبادي خلال لقائه كارتر، وفي مؤتمر صحافي جمعهما في بغداد، أول من أمس.
ولكن على المستوى ذاته، قد تكون المرونة التي أبداها رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، مشجّعة للأميركيين ومُرضية للأتراك، أقلّه على المدى القصير. وبانتظار ما قد تتكشّف عنه الأيام المقبلة بشأن قوّة وثبات الموقف العراقي من التدخل التركي، فمن المتوقع أن تتضمن هذه المشاركة، بشكل مبدئي، دوراً للطائرات والمدفعية التركية انطلاقاً من المحاور الكردية.
ومن المؤكد أنّ دور واشنطن لا ينتهي عند هذا الحد، إذا إنّ قطارها الجديد انطلق، ولا تشكل زيارة كارتر ومفاوضاته مع العبادي والبرزاني والأتراك سوى محطة من محطاته. وفي الوقت الذي كانت فيه آراء واشنطن الرسمية تعبّر عن مدى أهمية معركة الموصل وصعوبتها في آن، كانت آراء محلّليها ترقب أثرها على السياسة الأميركية الخارجية بشكل عام، وفي المنطقة بشكل خاص، لتتطوّر المواقف من شاجبة وناقدة للسياسات السابقة في بلاد الرافدين، إلى دليل يهدف إلى رسم مسار القطار على "السكة الصحيحة"، في الوقت الراهن وخلال فترة ما بعد الانتخابات الرئاسية.
دبلوماسي أميركي: سنستعيد سمعتنا كاللاعب العسكري الأكثر فعالية

وقد يبدو الأبلغ تعبيراً عن هذا الواقع، ما قاله الدبلوماسي السابق جيمس جيفري ــ الذي شغل منصب السفير الأميركي في تركيا بين عامي 2008 و2010 وفي العراق بين عامي 2010 و2012 ــ عن أن "الانتصار في الموصل، بقيادة الولايات المتحدة، سيؤدي إلى الفوز بالحملة الاستراتيجية الأولى، وتحديداً استعادة أميركا سمعتها كاللاعب العسكري الأكثر فعالية". ولكن جيفري يلفت، في مقال نشره "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، إلى أن "الدفاع بنجاح عن النظام الإقليمي يستلزم ما هو أكثر من مجرد قوة"، وهو "يتطلب دبلوماسية وسياسة بشأن الطاقة والقيم وغيرها من الأمور". إذاً، وفق خطط جيفري، على الولايات المتحدة أن تنتقل من المسبب الرئيسي للفوضى في العراق إلى واضع لأطر النظام المقبل هناك وفي المنطقة، وأيضاً لجوهره، خلال حقبة "ما بعد داعش". وهو في هذه النقطة يجمع بين إيران وروسيا و"داعش"، انطلاقاً من فكرة أن الإدارة الأميركية "لم تفلح في احتواء مطامع إيران الإقليمية، أو في التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد، أو في الرد على نحو فعال على الدخول الروسي إلى سوريا". لذا، يرى الدبلوماسي الأميركي أن "تنظيم داعش لا يشكل الصراع الأكبر في المنطقة، بل إيران المُمَكّنة من قبل روسيا". ولكنه يعقّب بالقول إن "داعش" حالياً، هو الأكثر إلحاحاً طالما أن الاندفاعة الأميركية موجودة لمحاربته. أي بكلام آخر، يمكن تأجيل مواجهة إيران إلى ما بعد "داعش"، لتتفرّغ لها الإدارة الجديدة.
تواصلت الفكرة عند مايكل نايتس المتخصّص بالشأن العسكري، والذي عمل مع القوات الأميركية خلال فترة غزوها للعراق. برأيه، فإنّ المهمة الأميركية يجب أن تتوسّع بسرعة، من خلال "تطوير صيغة مختلفة لإرساء الاستقرار بعد انتهاء الصراع، تتمثّل بتمديد فترة قوة المهمات المشتركة (للتحالف الدولي) بقيادة الولايات المتحدة لعدة سنوات"، طبعاً من دون أن ينسى أنه يجب أن يتم ذلك "بالاتفاق مع الحكومة العراقية". وسيكون هدف ذلك، بحسب ما كتبه في مقال في مجلة "فورين بوليسي"، "إقامة علاقة تعاون أمني طويلة الأمد، من شأنها تأمين التغطية للحكومة العراقية الحالية وخليفتها، عبر وضع هذه الشراكة المفيدة تحت كنف رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي".
نايتس يبقى أقل اندفاعاً من جيفري، ويعود في استراتيجيته إلى السياسة الأميركية السابقة في العراق، والتي تقتصر على أن تتركز العلاقة الأمنية مع العراق إلى حدّ كبير على تبادل المعلومات الاستخبارية، فضلاً عن التدريب والتجهيز وتقديم الاستشارة ومساعدة قوات الأمن. وهو يرى أنه يتعيّن على "قوة المهمات المشتركة، تطوير برنامج تدريب وتجهيز يمتدّ على عدّة سنوات ويركّز على تدريب القوات الخاصة والاستخبارية على عمليات مكافحة الإرهاب"، إضافة إلى دعم حلفاء الولايات المتحدة في الداخل في وجه "الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران". أي بمنعى آخر، تتمحور رؤية الكاتب على أنه يجب على الولايات المتحدة أن تثبّت "قوتها الناعمة" في العراق على كل المستويات، في سياق الصراعات الإقليمية ومصالح واشنطن، وذلك بما يقطع الطريق على أي قوة أخرى، ومن دون الأخذ في الحسبان أي استراتيجية لتطوير هذا البلد، وإخراجه من المستنقع الذي خلقه الغزو الأميركي في عام 2003.



كارتر يدعو إلى «عزل داعش» في الرقة

دعا وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، أمس، إلى بدء عملية لعزل تنظيم «داعش» في مدينة الرقة السورية، بالتزامن مع الهجوم على مدينة الموصل. وخلال زيارة لإقليم كردستان في العراق لبحث العمليات في الموصل، قال كارتر: «نريد أن نرى بدء عملية عزل حول الرقة بالسرعة الممكنة». وأضاف «نعمل مع شركائنا هناك (في سوريا) للقيام بذلك»، مؤكداً أن «هاتين العمليتين ستكونان متزامنتين».
وأشار كارتر إلى أن فكرة شن عمليتين متزامنتين في الموصل والرقة «هي جزء من تخطيطنا منذ فترة طويلة». وكان كارتر قد وصل إلى أربيل، غداة لقائه مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في بغداد. وبحث مع رئيس الإقليم، مسعود البرزاني، الدور الذي تلعبه القوات الكردية (البشمركة) في معركة استعادة الموصل، فيما أفيد عن أنه بحث مع كل من العبادي والبرزاني قضية مشاركة تركيا. وقد أعلن العبادي رفضه هذه المشاركة، خلال مؤتمر صحافي مع كارتر في بغداد، أول من أمس. وقال: «أعرف أن الأتراك يريدون المشاركة... قلنا لهم شكراً لكم، هذا شيء سيتولاه العراقيون، وهم من سيحررون الموصل».
(الأخبار، أ ف ب)