يستعد مجلس الأمن الدولي لمواجهة جديدة اليوم، خلال تصويت أعضائه على مشروع القرار الذي صاغته فرنسا وإسبانيا، والداعي إلى وقف جميع الأعمال القتالية في مدينة حلب. إذ يواجه المشروع الذي حمله وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت إلى موسكو لكسب قبولها «المبدئي»، احتمالاً كبيراً بالفشل عبر «فيتو» روسي لوّح به مندوب روسيا إلى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين. ويدلّل موقف موسكو على أن التعديلات التي أعلنت أنها ستقترحها على مسوَّدة القرار، وأهمّها الإشارة إلى ضرورة «فصل المعارضة المعتدلة عن جبهة النصرة» لم تجد طريقها إلى التطبيق. وفي المقابل، يعكس إصرار باريس ومن خلفها واشنطن على المضي نحو التصويت برغم الاعتراض الروسي الصريح، نيّة أميركية واضحة لإلقاء مسؤولية الفشل في وقف معارك حلب على موسكو أمام المجتمع الدولي، وهو ما بدا واضحاً في حديث تشوركين أمام الصحافيين عقب اجتماع مجلس الأمن، الذي أوضح أن «القرار الفرنسي أُعدّ ليلقى فيتو من قبلنا... وما من شيء يدعو لجعله يمرّ».وفي ضوء التصعيد المتواصل والتهديدات العسكرية المتبادلة بين واشنطن وموسكو، يهدّد فشل المشروع الفرنسي بإنهاء جميع قنوات العمل الديبلوماسي حول الوضع السوري، ما قد يمهّد إلى استقطاب عسكري حادّ بين موسكو ودول «الأطلسي» من شأنه الدفع بالميدان السوري نحو خيارات جديدة، سوّقت لها واشنطن مسبقاً.
وكان مجلس الأمن قد عقد أمس جلسة مشاورات طارئة حول سوريا، بناءً على طلب من روسيا التي تتولى رئاسة دورته الحالية، لبحث مبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لسحب مسلحي «جبهة النصرة» من شرق حلب. وعرض خلال الاجتماع مندوب فرنسا فرنسوا ديلاتر، مشروع القرار على الأعضاء بغية التشاور، على أن يُصوَّت عليه في جلسة اليوم. وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، من واشنطن حيث التقى نظيره جون كيري، أنه سيتوجه بنفسه إلى الأمم المتحدة في نيويورك للدفاع عن مشروع القرار، معرباً عن أمله في أن «يجري التصويت على القرار وتنفيذه».
وضمن هذا التجاذب، قد يشكّل طرح دي ميستورا القاضي بخروج مقاتلي «جبهة النصرة» من حلب مقابل وقف العمليات القتالية في المدينة وإيصال المساعدات الإغاثية إلى أحيائها الشرقية، معبراً ضيّقاً للتهدئة في حال فشل المسودة الفرنسية.
وأعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن تأييد بلاده لهذا المقترح، مضيفاً أنها «ستعمل على إقناع الحكومة السورية بالموافقة على انسحاب مسلحي (جبهة النصرة) بأسلحتهم إلى مدينة إدلب». وأشار في الوقت نفسه إلى أنه «يجب على المسلحين الراغبين في البقاء في حلب، التبرؤ علناً ورسميّاً من (جبهة النصرة) والتنسيق مع الأجهزة السورية الحكومية لضمان الأمن هناك».
ويبدو احتمال نجاح طرح دي ميستورا ضئيلاً جداً، إذ من غير المتوقع أن يلقى دعم واشنطن وحلفائها، لكونه سيحيّد المدينة عن الصراع السوري بنحو شبه كامل في حال تنفيذه، إضافة إلى أنه سيواجه صعوبة «فصل المعتدلين عن النصرة» التي اصطدمت بها جميع الهدن السابقة. ويأتي إعلان «الحكومة المؤقتة» التابعة لـ«الائتلاف الوطني» قطعها التعاون مع دي ميستورا على خلفية مقترحة، ليدلل على موقف الفصائل المحسوبة على المعارضة «المعتدلة» التي ترفض حتى الآن الانفصال عن الجماعات المحسوبة على «النصرة». وشهدت الجلسة المغلقة لمجلس الأمن انتقاداً روسياً ومصرياً لدى ميستورا على خلفية عرضه بمرافقة عناصر «جبهة النصرة» الراغبين في مغادرة حلب.
وفي إطار التصعيد المتبادل بين واشنطن وموسكو، طالب كيري بإجراء تحقيق في «جرائم حرب ارتكبها النظام السوري وروسيا» في حلب. وقال إنه «يجب تقديم أكثر من تفسير لأسباب عدم الكفّ عن ضرب مستشفيات ومرافق طبية إلى جانب أطفال ونساء»، مشيراً إلى أن «هذا الأمر ليس مجرد حادث... بل استراتيجية محددة الهدف لترهيب المدنيين وجميع من يقف في وجه أهدافهم العسكرية». ورفضت الخارجية الروسية تصريحات كيري، مذكرة بأن «الجانب الأميركي هو من تنصل من تنفيذ ما يطلبه اتفاق الهدنة، وأعلن صراحة عجزه عن الضغط على المعارضة للقيام بذلك».
(الأخبار)