لا يمكن لأحد، حتى الآن، أن يجزم بما ستفرزه صناديق الاقتراع، في ظل حالة استقطاب سياسي حاد، وخاصة بين "العدالة والتنمية" (الإسلامي) الذي ترأس الحكومة للسنوات الخمس الماضية، وحزب "الأصالة والمعاصرة" الذي يتموقع في المعارضة، ويُعدّ "حزب السلطة"، على اعتبار أن مؤسسه، فؤاد عالي الهمة، كان وزيراً منتدباً في وزارة الداخلية، وهو الآن مستشار الملك المغربي، محمد السادس. وبرغم حالة الالتباس بسبب صعوبة توقع نتائج الانتخابات، فإن هناك أفضلية لـ"العدالة والتنمية"، إذ يعتقد عدد من المتابعين أن الحزب حافظ على شعبيته برغم ترؤسه الحكومة لخمس سنوات.ويعبّر "العدالة والتنمية" بصراحة عن طموحه إلى تكريس صدارته للمشهد السياسي، بعدما تمثّل شعاره لانتخابات عام 2011 بـ"محاربة الفساد والاستبداد". وكان الحزب قد حقق نتائج جيدة وغير متوقعة في الانتخابات البلدية التي جرت قبل أكثر من عام، والتي خوّلته أن يكون على رأس أغلب المدن الكبرى، في مؤشر على حالة الرضى التي يتمتع بها داخل الطبقات الوسطى على الرغم من أن قراراته الحكومية أضرّت بالفئات الفقيرة والمتوسطة.
في مقابل هذا الطموح، توجّه المعارضة للحزب انتقادات حادة، وتعتقد أنه "أخلف في وعد تحقيق الإصلاح الاقتصادي"، كما تُبرز أحزاب المعارضة إخفاق "العدالة والتنمية" في إصلاح التعليم، ومعالجة أعطاب قطاع الصحة. وترى أطراف المعارضة أن الحكومة لم تستفد من الظروف المناسبة لإنجاز مزيد من الإصلاحات، وخاصة مع تراجع أسعار النفط، والهدوء النسبي في حركة الشارع عقب تراجع الاحتجاجات.
اختار المتنافسون تحييد الملك المغربي بعد توجيهه إنذاراً واضحاً

وفي ظل حالة الاستقطاب بين "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة"، يقف عدد من الأحزاب في حالة "شبه حياد"، في انتظار التحولات التي ستفرزها انتخابات اليوم. فحزب "الاستقلال"، أحد الأحزاب الوطنية الكبرى والعريقة، وبعدما انسحب من حكومة بنكيران الأولى، يقف اليوم في الوسط، مع ميل واضح لـ"العدالة والتنمية"، لكنه لا يخفي طموحه للظفر بالصف الأول في الانتخابات، علما أنه حاز المرتبة الثانية في الانتخابات البلدية الأخيرة.
على صعيد آخر، لا يبدو أن هناك تلازما بين ما ستسفر عنه الانتخابات التشريعية في المغرب وعلاقات المملكة الإقليمية والدولية. فبرغم أن رئيس الحكومة هو من يقترح وزراءه نظريا، فإن المؤسسة الملكية تحتفظ بالإشراف المباشر على قطاعات تصنّف ضمن القطاعات الاستراتيجية، التي تتولاها ما تسمى "وزارات السيادة"، ومن بينها وزارة الخارجية، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، باعتبار أنّ الملك المغربي "أمير للمؤمنين" وفق الدستور، وكذا بالنسبة لوزارة الداخلية، التي توصف بـ"أم الوزارات".
لكن الاستحقاق الانتخابي لم ينفصل عن سياقات إقليمية بسبب الارتباط (غير الواضح) "للعدالة والتنمية" بالتنظيم الدولي لجماعة "الإخوان المسلمين". ومن آخر فصول ذلك، حديث صحف مغربية عن لقاء عقد في اسطنبول التركية، ضمّ قادة من الجماعة، وممثلين عن حركة "التوحيد والإصلاح"، الذراع الدعوية لـ"العدالة والتنمية"، "جرى خلاله الاتفاق على تقديم الدعم لتجربة الحزب الإسلامي في حكومة المغرب"، كما انتقدت أحزاب المعارضة حضور ممثل عن "حركة حماس" الفلسطينية للمهرجان الافتتاحي للحملة الانتخابية الذي ترأسه رئيس الحكومة في مدينة سلا، المجاورة للعاصمة، ورأت أن حضوره دليل على أن الحزب مرتبط عضويا بالجماعة الأم، ورسالة تهديد للأطراف الداخلية عبر الاستقواء بالخارج.
وفيما ينفي "العدالة والتنمية" أن تكون له أي ارتباطات خارجية، فإنه يرى أنّ الاتهامات المسوقة ضده و"التوظيف الخبيث لمرجعيته الإسلامية"، يسعيان إلى إسقاط حكومته على غرار ما حدث في مصر، أو في الحد الأدنى إزاحته من صدارة المشهد السياسي لمصلحة "الأصالة والمعاصرة"، على غرار التجربة التونسية مع "حركة النهضة"، وخاصة أنّ "الأصالة والمعاصرة" يقدّم نفسه على أنه مدافع عن "المشروع الديموقراطي الحداثي" في مواجهة "المد المحافظ" لـ"العدالة والتنمية". ويعمل بنكيران وحزبه على إبراز هذا البعد وتضخيمه بهدف حشد مؤيديه والتأثير على الرأي العام.

تحذير ملكي

كما كان متوقعا، ارتفعت حدة الخطاب السياسي بين المتنافسين، لكن اتضح أنه تركّز في أغلبه على انتقاد الأشخاص، في غياب نقاش حقيقي حول البرامج الانتخابية. ولوحظ نزوع (مستجد) للنأي بالمؤسسة الملكية عن كل سجال انتخابي، وخاصة بعد الخطاب الملكي الأخير الذي حذّر من توظيف الملك في أي صراع سياسي. وقد بلغ تحذير القصر ذروته إثر بلاغ للديوان الملكي، انتقد بشدة تصريحات الأمين العام لـ"حزب التقدم والاشتراكية" المشارك في الحكومة، محمد نبيل بنعبد الله، الذي قال إن "أزمة المشهد السياسي تتمثل في حزب الأصالة والمعاصرة ومؤسسه".
وبعد بلاغ القصر، لوحظ انخفاض كبير في منسوب الحديث عن الملك، حتى أنّ رئيس الحكومة، عبد الاله بنكيران، قال إن البلاغ أثّر فيه، فيما أشار متابعون إلى تراجع توظيف بنكيران لعلاقته بالملك في خطاباته، فضلاً عن تحاشيه الحديث عن "التحكم"، وهي العبارة التي يُلخص بها رئيس الحكومة ما يعدّه "تحيّزاً" من الدولة لحزب "الأصالة والمعاصرة"، إلى درجة حديثه عن دولتين لا دولة واحدة.