في مخالفة صريحة للمادة 190 من الدستور المصري، التي تنص على عدم جواز النظر في "الاستشكالات" على أحكام «القضاء الإداري» في محكمة الأمور المستعجلة، أصدرت الأخيرة، يوم أمس، حكماً قضائياً بوقف تنفيذ حكم سابق ببطلان تنازل البلاد عن السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، علما بأن التنازل الذي حدث في نيسان الماضي لم يدخل حيز التنفيذ بعد.ونجح تحايل الحكومة المصرية عبر دعوى أقامها مواطنان عاديان أمام «الأمور المستعجلة»، تفيد بأن «محكمة القضاء الإداري تخطت اختصاصها في الحكم ببطلان الاتفاقية وذلك لتدخلها في أعمالها السيادية».
هذا الحكم جاء صادماً بين الأوساط القضائية والقانونية، وخاصة أنه يزيد القضية، التي تشعبت في القضاء وباتت منظورة أمام جهات عدة، تعقيداً، فيما يغيب البرلمان كلياً عن المداولات.
لكنّ أخيرين يحتفظون بالأمل في منع الحكم الأخير عبر تقديم استشكال أمام محكمة «مستأنف الأمور المستعجلة»، خلال الأيام المقبلة، علماً بأن «القضاء الإداري» لا تزال على قرارها النظر في جلسة 18 تشرين الأول المقبل في استشكالين متناقضين، الأول يأتي الحكومة التي تطالب بوقف تنفيذ الحكم، والثاني قدمه مقيمو الدعوى ويطالب بالاستمرار في تنفيذ الحكم حتى الفصل بالطعن.
سيناريوا رفع القضية إلى «الدستورية» أو البرلمان يخدمان الحكومة

والفصل بطعن الحكومة، من المفترض أن تنظر فيه «الإدارية» خلال الأيام المقبلة عبر الدائرة الأولى لفحص الطعون برئاسة المستشار أحمد الشاذلي، علماً بأن «هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا» تلقت دعوى من الحكومة تطالب بوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري، باعتبار أنه يقف حائلا أمام تنفيذ أحكام سابقة صدرت من «الدستورية» وصارت «مبادئ دستورية مستقرة».
وسط كل هذا التلاعب، تراهن الحكومة على إطالة أمد الاتفاقية خلال المرحلة المقبلة عبر اللجوء إلى « المحكمة الدستورية» في حال أصدرت «الإدارية العليا» حكماً بتأييد «حكم أول درجة» ببطلان توقيع الاتفاقية الذي أقر بناء على مبدأ «رفض التنازل عن أي أراض مصرية».
وستلجأ الحكومة في هذه الحال إلى «الدستورية» ــ أعلى جهة قضائية ــ لتوضيح موقفها، بما أن الأخيرة تختص وحدها دون غيرها في الفصل بين تنازع الأحكام القضائية التي تصدر متعارضة، فضلاً عن أن هذه المحكمة لا يوجد توقيت محدد يلزمها الفصل في الدعوى المقدمة، كما أن وصول هذه المرحلة يعني دخول القضية في نفق مظلم قانونياً قد يستمر لسنوات، في ظل جريان العادة على ألا تفصل «الدستورية» في القضايا سريعاً، وخاصة المثيرة للجدل.
ووسط غياب دور للبرلمان في الاتفاقية بسبب وجود اختلافات شديدة بين النواب حول طريقة التعامل معها، فإن ثمة آراء من النواب الداعمين لقرار القاهرة التنازل للرياض، تستند إلى عدم جواز نظر القضاء في الاتفاقية باعتبارها من اختصاص البرلمان.
ومن المحتمل فعلاً عرض الحكومة الاتفاقية على مجلس النواب في دور الانعقاد المقبل استناداً إلى المادة 312 من قانون المرافعات، التي توقف تنفيذ أي حكم بمجرد الاستشكال عليه. لكن لم تتخذ حكومة شريف إسماعيل أي خطوات فعلية في هذا الجانب، وخاصة أن بعض النواب دعوا إلى إجراء استفتاء شعبي على الاتفاقية ليكون الفيصل هو أصوات الناس.
وإلى يوم أمس، لم يصدر تعليق رسمي من الحكومة على حكم «الأمور المستعجلة»، برغم أنها ستستفيد منه غالباً، ولم تقم بالاستشكال عليه، فضلاً عن أن الظن يدور حول دعمها للمواطنين مقيمي الدعوى. ومحكمة الأمور المستعجلة ليس خافياً أنها بوابة خلفية لوقف الأحكام القضائية الصادرة عن مجلس الدولة، واعتادت الحكومة اللجوء إلى الحيلة على مدار سنوات طويلة لوقف تنفيذ عدة أحكام، من بينها بطلان بعض الدوائر الانتخابية.