تسعى واشنطن جاهدة إلى تدارك تبعات انهيار اتفاق وقف إطلاق النار على الميدان، وخاصة في مدينة حلب، في ظل العملية التي بدأتها دمشق بالتعاون مع حلفائها في أحياء المدينة الشرقية. الخوف الأميركي من سيطرة الجيش السوري على كامل حلب، شكّل دافعاً واضحاً لها نحو توقيع الاتفاق مع الجانب الروسي، رغم عدم اهتمامها ضمن ظروف الميدان الحالية بالتعاون مع موسكو ضد «جبهة النصرة» أو غيرها من التنظيمات المصنّفة إرهابية، وآخرها «جند الأقصى»، والتي تشكل العمود الفقري للجبهات المشتعلة ضد الجيش السوري وحلفائه. التنظيم الأخير الذي ضمّته واشنطن مؤخراً إلى قائمتها للتنظيمات «الإرهابية»، والذي يعدّ من أبرز الفصائل المشاركة في معارك ريف حماة الشمالي، بدا أول المستفيدين من دفعات السلاح الجديدة التي «بشّر» الأميركيون مراراً باحتمال تدفقها نحو الفصائل المعارضة في حال فشل «الهدنة»، والتي ظهر منها على جبهات حلب وحماة، أعداد جديدة من صواريخ «الغراد».
أعلن ايرولت أن بلاده ستقترح قراراً لوقف إطلاق النار في حلب
وتحاول واشنطن دفع موسكو نحو إعلان فشل اتفاق «الهدنة» من جهتها، أو أقله تحميلها المسؤولية المباشرة لهذا الفشل، ويندرج ضمن هذا الإطار، التهديد الأميركي بوقف التعاون مع موسكو حول سوريا في حال استمرار الهجوم ضمن أحياء حلب الشرقية، والذي حمله أمس وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف، خلال مكالمة هاتفية. وليس صدفة أن يتزامن التحذير الأميركي بوقف تعاون لم يتعدّ مرحلة النصوص الورقية، مع إعلان فرنسا، حليفة واشنطن في الجبهة المضادة لروسيا، أنها سوف تطرح مشروع قرار أممي لوقف المعارك في حلب، مشيرة إلى أن من سيعارض القرار سيكون «مشاركاً في ما يحدث من جرائم حرب هناك». وهو ما يعني أن معارضة روسيا للقرار ستضعها أمام أعضاء مجلس الأمن في موقع «المتّهم» بتأجيج المعارك ورفض «الهدنة».
وفي المقابل، سعى الطرف الروسي بشكل واضح، عبر نشره لجزء من الاتفاق، إلى توضيح تنصّل واشنطن من مسؤولياتها المنصوصة ضمنه، وعلى رأسها فصل «المعتدلين عن الإرهابيين»، فيما بدا واضحاً أنه وحلفاءه كانوا مستعدين لاحتمالي فشل أو نجاح الاتفاق، مراهنين على أن الفشل سيفرض على الطرف الأميركي خيارات محدودة على الأرض، بينما سيهيّئ النجاح لتقويض أهم الجماعات المقاتلة في المعسكر الآخر، وهي «جبهة النصرة».
وخلال اتصاله مع لافروف، أبلغ كيري نظيره أن بلاده «تستعد لتعليق التزامها الثنائي مع روسيا حول سوريا، وخصوصاً إقامة مركز مشترك» للتنسيق العسكري، الذي ينص عليه «اتفاق جنيف»، مضيفاً أن بقاء التعاون يتطلب اتخاذ روسيا «تدابير فورية لوضع حدّ للهجوم على حلب وإعادة العمل بوقف الأعمال القتالية». وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، في بيان، إن «كيري أعرب عن قلقه البالغ حيال تدهور الوضع في سوريا، وخصوصاً الهجمات المتواصلة للنظام السوري وروسيا على المستشفيات وشبكة توزيع المياه وبنى تحتية محلية أخرى في حلب». وأضاف أن كيري «قال بوضوح إن الولايات المتحدة وشركاءها يحمّلون روسيا مسؤولية الوضع، وخصوصاً استخدام قنابل حارقة في المدينة (حلب)، وهو تصعيد خطير يعرّض السكان المدنيين لخطر أكبر».
بدوره، أكّد لافروف أن العديد من فصائل المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة استمر في «الاندماج مع تنظيم (جبهة النصرة) الإرهابي». وأوضحت وزارة الخارجية الروسية في بيان أن لافروف أشار «إلى التقارير الإعلامية التي تتحدث عن تزويد واشنطن لجبهة النصرة بالأسلحة والمعدات، إضافة إلى تصريحات لرئيس (الهيئة العليا للمفاوضات) المعارضة، رياض حجاب، رفضت اعتبار «النصرة» منظمة إرهابية».
وفي سياق متصل، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت، أن بلاده ستطرح قراراً في الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في مدينة حلب، مضيفاً أن الذين سيمتنعون عن التصويت لمصلحة القرار «يجازفون بتحمّل مسؤولية المشاركة في جرائم حرب». وأضاف في كلمة أمام «الجمعية الوطنية» أن «هذا القرار سيضع كل طرف أمام مسؤولياته»، مشيراً إلى أن «النظام السوري بدعم من روسيا وإيران يخوض حرباً شاملة ضد شعبه».
وعلى صعيد آخر، رأى المتحدث باسم الحكومة التركية، نعمان قورتولموش، أن «الولايات المتحدة وروسيا والدول الأخرى أدركت أنه لا يمكن لأي جهة فرض منظور حل بمفردها في البلاد».