لم ينتظر القيادي البارز في «حزب جبهة العمل الإسلامي»، الذراع السياسية لـ«جماعة الإخوان المسلمون» ــ الأم في الأردن، زكي بني ارشيد، ظهور النتائج النهائية للانتخابات النيابية، حتى أثنى على ما رأى أنه «تقدم في النزاهة والأداء الديموقراطي»، قياساً بالانتخابات النيابية السابقة.بني ارشيد، الذي لم يمض وقت طويل نسبياً على خروجه من السجن، تغنى بحصول الجماعة الأم مع حلفائها على 15 مقعداً من أصل 130، بصفة أنه الحزب الوحيد ــ تقريباً ــ الذي استطاع الوصول كتكتل إلى البرلمان، ملمّحاً إلى تشكيل تكتل نيابي معارض بالتحالف مع مزيد من النواب الفائزين، ومتمنياً أن تكون مرحلة «ألو» ــ في إشارة إلى تدخل المخابرات لدى النواب ــ قد انتهت، وبدء مرحلة جديدة لا يُقصى فيها الإسلام السياسي.
أكثرية المقاعد فاز بها مرشحو العشائر و«جماعات البزنس»

ضمن الغزل نفسه المتبادل بين الجماعة ــ غير المرخصة ــ والنظام، رحّبت الأولى بتصريح زوجة الملك الأردني، رانيا العبدالله، التي أثنت فيه على المشاركة الإخوانية، قائلة إننا «نريدهم أن يكونوا ضمن هذه الانتخابات». وأضافت: «ما زلنا رغم كل ما دار في المنطقة قادرين على أن نكون في واجهة الاعتدال»، الأمر الذي تكرر في البيان الإخواني المرحّب بتصريح الملكة، والقائل إن الجماعة حريصة على «مشاركة كافة مكونات المجتمع، لبناء الأردن القوي والمعتدل».
أياً يكن، وبعيداً عن هذا الغزل المتوقع في إطار «داوها بالتي هي داء»، كقاعدة إخوانية أصيلة في العمل السياسي، بيّنت الانتخابات البرلمانية حقيقة الحالة الحزبية الأردنية وهشاشتها. ففيما سجلت قوائم الأحزاب الأخرى إخفاقاً واضحاً، سجل فوز أقل من عشرة مرشحين مستقلين بخلفيات يسارية، والحال كذلك مع المنادين بدولة «مدنية علمانية». كذلك فاز منشقون عن «الإخوان» أو إسلاميون بأقل من عدد أصابع اليد، وهؤلاء تحديداً فازوا بتأييد عشائرهم وأبناء مناطقهم.
أما أكثرية المقاعد، ففاز بها المرشحون العشائريون و«جماعات البزنس»، ما دفع محللين سياسيين إلى القول إن بيئة المجتمع الأردني لا تزال في غالبيتها عشائرية، مقابل أن الحزبية لم تتجذر داخل العشيرة. لكن آخرين رأوا أن النجاح المحدود للإسلاميين مردّه إلى دغدغتهم عواطف الجمهور الدينية، وهو ما يفسر نجاح إسلاميين آخرين محسوبين على تيارات دينية أخرى (كمحمد القضاة، وهو صوفي أشعري في الزرقاء، ومحمد الرياطي وهو سلفي في العقبة).
في هذه الجولة، يُسجّل لـ«الهيئة المستقلة للانتخابات» أنها استطاعت تبديد جزء من الصورة التاريخية السلبية عن عمليات الترشح والاقتراع السابقة في المملكة، في ظل تجاوز نسبة التصويت حدود 30%، وذلك في ظل تسلم اليساري المعارض السابق خالد الكلالدة رئاسة اللجنة، علماً بأنه كان وزيراً للشؤون السياسية والبرلمانية. ويبدو أن الكلالدة عمل على لجم التدخلات الأمنية في ظاهر الأمر على الأقل، لكنه لم يستطع منع تأثيرات المال السياسي وشراء الأصوات.
في المقابل، شنّت النائبة السابقة هند الفايز (من المعارضة) هجوماً لاذعاً، في مؤتمر يوم أمس، على وزير الداخلية سلامة حماد، واشترطت الفايز لاستمرارها في دورة إعادة الانتخابات ضمن دائرة بدو الوسط، استقالة الوزير الذي ينتمي إلى تلك الدائرة الخاصة بقبيلة بني صخر، على خلفية اعتداء على صناديق اقتراع. وكانت «الهيئة المستقلة للانتخابات» قد أنهت التحقيق في حادثة الاعتداء على عشرة صناديق في تلك الدائرة، بعضها تعرض للضرر، فيما ملئت بعض الصناديق بأوراق اقتراع أخرى، وفقاً للجنة.
في كل الأحوال، لم يحقق الإسلاميون نقلة نوعية كما تفاءلوا، لأن النتائج أظهرت بوجه عام تضاؤل توجه الناس إليهم، فيما حقق المنادون بالدولة العلمانية (قائمة معاً) فوزاً لافتاً في العاصمة عمان، خاصة مع فوز اليساري القديم خالد رمضان وقيس زيادين عن المقعد المسيحي، بعدد أصوات قارب الأعداد التي حصل عليها الإسلاميون. هذا الفوز جاء عقب مناظرة بثت مباشرة، وجمعت قبيل الاقتراع الفائز عن تحالف الإخوان صالح العرموطي، والمرشح الشاب زيادين، وشهدت مشاغبة من أنصار الإسلاميين ضد القائمة واتهامها بالتشبيح للنظام السوري.
فوق ذلك، فإن 15 مقعداً، بعضها من المتوقع أن تترك تحت القبة (على الكوتا المسيحية وكوتا الشيشان والشركس)، لن تشكل كتلة قادرة على إحداث التغيير، ولا حتى ثلثاً معطلاً.