بينما دنّس بعض «الأكباريّة» في كفر مندا (إحدى قرى الجليل الأسفل) بالورود، أيادي طفلين، مستغلين براءتهما، لاستقبال وزير الداخلية الإسرائيلي، آريه درعي، الذي حضر يوم أمس، «لتبريك» الأهالي بعيد الأضحى المنقضي، كان مئات من الفلسطينيين في الداخل يتظاهرون في مدينة الناصرة، شمال فلسطين المحتلة، ضد اعتقال كوادر حزب «التجمع الوطني الديموقراطي»، التي لم تنتهِ على ما يبدو.وفي ساعات متأخرة من ليل أمس، استأنفت سلطات العدو حملة الاعتقالات والترهيب ضد كوادر «التجمع»، مستخدمة الكلاب البوليسية والوحدات الخاصة لاعتقال 12 عضواً في الحزب، غالبيتهم في مراكز قيادية، بعدما كانت قد اعتقلت مطلع الأسبوع أكثر من عشرين آخرين، في مقدمهم رئيس الحزب عوض عبد الفتاح.
قضية «التجمع»، الذي يشكل أحد «أعمدة» الحركة الوطنية في الأراضي المحتلة عام 1948، «لن تنتهي على خير»، كما أشارت مصادر مطلعة في حديث إلى «الأخبار»، مضيفةً أنه «يرجح أن يلاقي التجمع مصيراً مشابهاً للحركة الإسلامية التي حظرت عن القانون والعمل السياسي، وزج رئيسها، رائد صلاح، في السجن».
والتهم كالعادة تتعلق بالفساد المالي والإداري، التي لا يستثنى منها أي حزب في الكنيست، وخصوصاً الأحزاب الصهيونية، ولكن لم يجر التعامل مع الأخيرة بالطريقة التي يعامل فيها «التجمع». مثلاً، إحدى القضايا المشابهة ــ عرفت بقضية «جمعيات باراك» ــ جرى التحقيق فيها على مدار ست سنوات تحت تهمة الحصول على ملايين الشواقل لتمويل حملة باراك الانتخابية عام 1999.
لكن، لم تقم الشرطة الإسرائيلة وأجهزة المخابرات بمداهمات ليلية كما الآن، كما لم تعتقل أيّاً من الأشخاص المتهمين والمخالفين، والمعروفين بالاسم لدى «مراقب الدولة»، بل إن أحد المتورطين كان زعيم المعارضة الحالي، يتسحاق هرتسوغ. والأخير رقّي لاحقاً فصار وزيراً للبناء والإسكان!
«التجمع» رقم أساسي في نضال الحركة الوطنية في الداخل

ومع إغلاق قضية «باراك» على يد المستشار القضائي السابق أمنون روبينشطاين، والمدعية العامة عدنا أربيل، رقّيا إلى رتبة قاضيين في المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية في إسرائيل).
لهذا، من الواضح أن تهمة «تجاوزات مالية، والحصول على أموال خارجية من دون التبليغ عنها، تضاف إليها تهم بالنصب والاحتيال»، هي مجرد «غطاء قانوني» لشرعنة حملة ضد الحزب، تمهيداً لحظره عن العمل السياسي، وإخراجه عن «القانون».
والمعتقلون الـ12 الذين أضيفوا إلى رفاقهم في المعتقل هم أعضاء في المكتب السياسي واللجنة المركزية، ومنهم جمعة الزبارقة، ونائب الأمين العام السابق مصطفى طه، وسامي العلي، والأسير المحرر داهش عكري وغيرهم، علماً بأنه كان في الدفعة الأولى من المعتقلين أسرى محررون في صفقة «وفاء الأحرار».
الرئيس السابق لـ«التجمع» وأحد مؤسسيه، واصل طه، قال إن «حملة الاعتقالات الحالية واسعة وتشمل جميع المناطق، ما يؤكد سعي المؤسسة الإسرائيلية بكل أدواتها إلى كسر شوكة الحركة الوطنية بعدما فشلت في المرات السابقة». وعزا السبب في ذلك إلى «نشاط التجمع الدؤوب في حملة مقاطعة إسرائيل الدولية من أجل إخضاعها للإرادة والشرعية الدولية في أمرين: أولهما إنهاء الاحتلال، وثانيهما وقف ممارساتها العنصرية ضد فلسطينيي الـ48 سواء في سن القوانين أو الحقوق الجماعية التي باتت مطلباً أساسياً لكل المكونات السياسية».
طه، الذي كان نائباً سابقاً في الكنيست، أضاف في حديث إلى «الأخبار»، أن «التجمع» مستهدف الآن «كونه رأس الحربة في النضال الذي تخوضه الحركة الوطنية في الداخل»، مشيراً إلى أن «قادة الحزب وكوادره في حالة استنفار لكسر هذه الحملة السلطوية الغاشمة». وأكد أن «السجن والاعتقال هما الحد الأدنى مما قد يقدمه الحزب في نضاله، وخصوصاً أن هناك من يضحي بروحه من أجل فلسطين».
الأحزاب والحركات السياسية في الداخل، على اختلافها، عبّرت عن تضامنها ووقوفها إلى جانب «التجمع». وشارك ممثلون وكوادر عن «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، وكذلك من «الحركة الإسلامية» بشقيها الجنوبي والشمالي، إضافة إلى حركة «أبناء البلد»، في التظاهرة الرافضة للاعتقالات التعسفية. واللافت أن حركة «كفاح»، التي أنشأها منشقون عن «التجمع» نتيجة لموقف الأخير الداعم «للثورة السورية»، أعلنت أنها في صف «حزب الأم» في «معركته ضد القوانين غير الشرعية الصادرة أساساً عن كيانٍ غير شرعي».
في هذا الإطار، لفتت عضو اللجنة المركزية لـ«التجمع» نفين أبو رحمون، إلى أن «من يتابع المشهد السياسي الإسرائيلي لا يفاجأ بحملة الاعتقالات، بل يراها ضمن المشهد العام الذي تعمل عليه المؤسسة الإسرائيلية والطعن في وجود فلسطينيي الـ48».
وأوضحت في حديث إلى «الأخبار»، أنه لهذا السبب «نرى بالحملة ملاحقة سياسية حتى لو كانت بأدوات وذرائع مخالفات ماليّة... في محاولة لتجريم العمل الوطني والسياسي، الذي أرفق بكم هائل من الاعتقال البوليسي الوحشي». وتابعت أبو رحمون: «معركتنا اليوم على استمرار هذا المشروع والتأكيد أن هذه الهجمة لن تنال من فكرنا ونهجنا في خوض معركة الوعي التي نعتبرها بوصلتنا».