كان من اللافت أن يعلن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي من نيويورك البدء بعمليات استعادة قضاء الشرقاط في محافظة صلاح الدين، في الوقت الذي صرّح فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن معركة استعادة مدينة الموصل قد تبدأ «سريعاً إلى حد ما».وعلى الرغم من أن استعادة الموصل تُعَدّ هدفاً عراقياً بامتياز، إلا أن توقيت البدء بالعمليات العسكرية لتحريرها «أميركي» يرتبط، بشكل أو بآخر، بتسريع أوباما الخطى في اتجاه الموصل، قبل خروجه من البيت الأبيض، لإضافة نقطة جديدة على «إرثه السياسي»، وبالتالي لتخفيف من أثر أخرى تتمثل بظهور «داعش» أثناء توليه السلطة. وقد انعكس هذا التوقيت على لسان أكثر من مسؤول أميركي، خلال الفترة الماضية، أكدوا أن العمليات العسكرية لاستعادة الموصل قد تنطلق في بداية شهر تشرين الأول، بينما ذكرت مصادر عراقية مطلعة لـ«الأخبار» أنّ من المتوقع أن تبدأ في منتصف الشهر المقبل.
أبحرت «شارل ديغول» نحو الشرق الأوسط للمشاركة في استعادة الموصل

وعلى هذا الأساس، يأتي إعلان العبادي انطلاق معارك تحرير الشرقاط كإشارة تدخل في المسار الأميركي المرسوم حالياً، لكافة الأحداث المرتبطة بمحاربة «داعش» في العراق. فمن المعروف أن قضاء الشرقاط الذي يقع في شمال محافظة صلاح الدين، يُعدّ باباً على محافظة نينوى، وبالتالي على مدينة الموصل، ولا سيما أنه آخر معاقل «داعش» في صلاح الدين التي استعيدت السيطرة عليها قبل أشهر. وفي هذا السياق، يأتي تصريح المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول، الذي قال إن «الشرقاط قضاء مهم، ولا نستطيع الذهاب باتجاه الموصل التي لا تزال تحت سيطرة التنظيم الإرهابي».
في غضون ذلك، بدا من الواضح تكثيف «التحالف الدولي» غاراته على الموقع، فقد أفاد ضابط عراقي برتبة عقيد في الجيش بأنه «سبق انطلاق العملية قصف مكثّف من طيران التحالف الدولي ومدفعية الجيش العراقية، ثم بدأ تقدم القوات». وبالتوازي، أعلنت قيادة أركان الجيش الفرنسي أن حاملة الطائرات «شارل ديغول» أبحرت نحو الشرق الأوسط، للمشاركة في حملة استعادة مدينة الموصل من تنظيم «داعش».
فضلاً عن ذلك، تزامن العمل على استعادة الشرقاط مع عمليات عسكرية شهدتها ناحية القيارة (جنوب نينوى) التي تُعَدّ باباً آخر إلى الموصل، خصوصاً أنها تقع على بعد نحو 60 كلم جنوب المدينة. وقد أعلنت قيادة عمليات نينوى التابعة للجيش العراقي، تحرير أربع قرى تابعة لتلك الناحية.
وكان قد سبق الهجوم في القيارة، إعلان مسؤولين أميركيين قبل يومين، وصول المئات من الجنود الأميركيين إلى قاعدة القيارة، لتوفير الدعم اللوجستي للقوات العراقية في عمليات تحرير الموصل. وأشار هؤلاء إلى «وجود جهود لإعادة تأهيل القاعدة لتتمكن الطائرات الأميركية وطائرات دول التحالف الأخرى من الانطلاق منها لقربها من الموصل، وهو ما يشكل عاملاً تكتيكياً مهماً في المعركة». كذلك أكدوا أن «موعد الهجوم الكبير لتحرير الموصل قد يبدأ في أقرب وقت من شهر تشرين الأول المقبل»، لافتين إلى أن «المعركة ستكون صعبة كون أن داعش، ومنذ عام 2014، عمل على تهيئة سواتر دفاعية وحفر مواضع».
هذا التطوّر رفده رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة جوزيف دانفور، بإعلانه أن القوات العراقية ستكون مستعدة لعملية الموصل في تشرين الأول، كأحدث مؤشر على أن حملة شاملة لانتزاع السيطرة على المدينة من تنظيم «داعش» باتت وشيكة.
إلا أن دانفور حرص على إرجاع توقيت الهجوم إلى العبادي، مؤكداً أن العراقيين «سيكون لديهم جميع القوات التي يحتاجون إليها».
من جهة أخرى، ما يعزّز الدفع الأميركي باتجاه البدء في تحرير الموصل، القناعة بأن استعادة هذه المدينة ستشكل دفعاً للمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون قبل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في الثامن من تشرين الثاني. وعلى الرغم من صعوبة انتهاء عمليات التحرير قبل الاستحقاق الرئاسي، أشارت مجلة «بوليتيكو» الشهر الماضي، إلى أنه في حال استعادة مدينة الموصل «سيعني ذلك نصراً سياسياً كبيراً لباراك أوباما، كذلك من المحتمل أن يفيد مرشحة حزبه، هيلاري كلينتنون، من خلال قطع الطريق أمام ادعاءات الجمهوريين بأن إدارة أوباما قد فشلت أمام داعش».
حينها، لفتت المجلة إلى أن «الجيش العراقي والبيشمركة وأيضاً الوحدات شبه العسكرية، تستعد للدفع باتجاه معركة الموصل». ونقلت عن مسؤولين عسكريين أميركيين قولهم إن «المدينة الواقعة في شمال العراق ستُطوَّق بحركة كماشة معقّدة من قوات الجيش العراقي التي تقاتل في طريقها إلى الموصل من الجنوب الشرقي، وأيضاً من الوحدات الكردية التي ستقتحم المدينة من الشمال الغربي». وأشارت إلى أن «الهجوم العسكري المخطط له منذ أشهر، من المقرر مبدئياً البدء به في أوائل تشرين الأول، مع معركة نهائية ستأتي في نهاية ذلك الشهر».