استغرقت مهمة الكشف عن منفذي تفجير مسجد العنود في الدمام ستة أيام، عملت خلالها السلطات على تدارك الثغرة الأمنية التي لعبت في تشكيل المشهد الأمني في المناطق المستهدفة من تنظيم "داعش" شرق السعودية. بين انفجارين فصل بينهما أقل من أسبوع، شكل السكان المحليون في منطقتي القطيف والدمام لجان شعبية، تطوعية- حظيت بدعم المشايخ والوجهاء وغطاء أهلي- وقوبلت بحذر من قبل الجهات الأمنية الرسمية.
عاشت القطيف والأحساء يوم أمس بين مشهدين، مشهد تشييع الأهالي ضحاياهم بعدما مشوا على ايديهم لجمع اشلاء شهدائهم المتناثرة فوق سطوح المنازل قطعة قطعة، بسبب قوة التفجير، فيما أبرزت وزارة الداخلية -في المقلب الآخر- كارت ترضية، كاشفة عن وجه القاتل الغامض، مشيرة إلى أنه يدعى خالد عايد محمد الوهبي الشمري (سعودي الجنسية)، البالغ من العمر 20 عاما. وقائمة ضمت 16 مشتبها بهم أمنيا على خلفية تورطهم في الهجومين الانتحاريين لاستهداف مسجدين شرق المملكة. عملية أمنية يتهم الأهالي السلطات، بغض الطرف عن خطاب التخوين والتكفير والكراهية المستمرين، برعاية الدولة الوهابية ومنابرها الاعلامية والدينية.
التحرك الشعبي كان سريعا هذه المرة، تجاهل الترضية الرسمية، التي أمر بها الملك سلمان بالاسراع بمعاملة شهداء "اللجان الشعبية" الأربعة، معاملة "شهداء الواجب ومنحهم نوط الشجاعة" وفق البيان الملكي. سارت الحشود بالنعوش الأربعة محمد وعبدالجليل الأربش ومحمد العيسى وهادي سلمان الهاشم، رفعت الشعارات فخورة بـ"رجل الأمن الأول"- الذي حال بينهم وبين مجزرة محققة الجمعة الماضي في مسجد الإمام الحسين- أحد أكبر مساجد "الشيعة" في الدمام. تعانقت الافتات وامتزجت صور شهداء القديح والدمام الذين تؤاطأ المجرم على حصدهم جمعتين متتاليتين، اضافة إلى ظهور صور السجناء المنسيين وشيخ الحراك الأول نمر النمر تأكيدا على مطالب أهالي الشرقية.
انطلق التشييع من مدينة سيهات، إلى مثوى الأربعة في "مقبرة الشهداء" الجديدة التي صدر ترخيصها كمقبرة رسميا للطائفية الشيعية في الدمام بعد الحادثة، وبعد سنوات من التعسف ورفض السلطات منح الأهالي قطعة أرض قريبة لدفن موتاهم. المقبرة التي ربح ترخيصها الأهالي بدماء أولادهم، تبلغ قيمتها 12,5 مليون ريال، وقدمت كتبرع من أحد رجال الأعمال المحليين قبل نحو عشر سنوات تقريبا، وتقع بجوار بلدة الجش في محافظة القطيف.
حاول ولي العهد محمد بن نايف الذي خلف والده الراحل في وزارة الداخلية، سرقة المشهد الأمني من اللجان الشعبية بعد تفجير القديح الجمعة (22 أيار الماضي)، زار القطيف بعد الحادثة، ليواجه بتحميله مسؤولية الحادثة. لم ينس بن نايف تربية والده الأمنية، مرر للأهالي الغاضبين رسالة تهديد مبطنة تشي بعدم تغاضيه عن"كل من يأخذ دور الدولة"، في إشارة إلى "اللجان الشعبية" التي أوكلت لها حماية الأهالي، فيما سمح الفضاء الافتراضي لمشايخ الوهابية بالترويج إلى سيناريو تخطيط "شيعة" القطيف بعد تفجيرات القديح لتأسيس حشد شيعي يُسيطر على المنطقة النفطية وإشاعة الفوضى فيها، في ظل تجاهل الطرفين بشقيهما السياسي والديني، الاحتقان الشعبي من المجزرة التي راح ضحيتها 22 شهيدا وعشرات الجرحى.
وقد فشلت التوجيهات الرسمية بايقاف تحرك الأهالي لحماية أنفسهم. والنتيجة منع مجزرة محتملة للجمعة الثانية على التوالي في مسجد العنود بالدمام، ما عنى أن سلطة بن نايف القوية بدأت بالافلات من يد رجاله، الذين بقوا داخل سياراتهم المكيفة محيطين بالمسجد وقت الصلاة، يراقبون الشهداء ورفاقهم المكلفين حمايته وتفتيش مصليه. منع النساء من الحضور ذلك اليوم خوفا من الاختراق الأمني من قبل الارهابيين، ويقظة اللجان الشعبية، حالا دون دخول "الشمري" للمسجد. تسجيلات كاميرا مسجد العنود، أظهرت كذب الداخلية التي ادعت منعها المجزرة، وابرزت بطولات الأمن السعودي على الصفحات الأولى للجرائد الرسمية – يوم السبت التالي للمجزرة-، اظهرت التسجيلات امساك عبد الجليل الأبرش ورفاقه بالداعشي المتنكر في زي نسائي ومنعه من عبور البوابة النسائية التابعة للمسجد، ليضغط على زر المفخخة محولا نفسه واياهم إلى اشلاء يصعب جمعها.
حادثتان سترسمان عميقا لدى المواطنين "الشيعة"، بعد عقود من التمييز والقمع الديني والسياسي. استعادوها في لافتات عزاء الشهداء الـ 26، رفعوا لافتات المناهج التي كفرتهم ويجبرون على دراستها، موجهين اصابع الاتهام لمشايخ التحريض بالاسم والصورة و"التغريدة" ، هم الذين قال فيهم الصحافي ادريس الادريس الكاتب في صحيفة "الوطن" السعودية (الاثنين الماضي) "بعض مشايخنا – نحن السنة – لا يصلحون إلا للإفتاء في نواقض الوضوء والاستنجاء والاستجمار، وليتهم يكتفون بذلك، لكن إغراء المتابعين والشعبوية يجعلهم عبر منصات تويتر يقعون في محاذير الفتن والمذهبية".