أربيل | ثلاثة أشهر أمام لجنة صياغة مسودة دستور كردستان العراق لإنجاز الدستور الأول للإقليم. وتدرك اللجنة أن فترة عملها للتوافق على مسودة الدستور، قبل طرحها على الشعب في استفتاء عام، ستكون صعبة في ظل الانقسام بين الأطراف الرئيسية في البلاد. ولا يبدو أن الطريق إلى الدستور الجديد ستكون مفروشة بالورود بسبب الخلافات الحادة بين الأحزاب حول نظام الحكم وصلاحيات رئيس الإقليم. ومع احتدام الصراع بين الأحزاب، ما قد يؤجل إقرار مسودة الدستور الجديد، برز موقف رئيس برلمان الإقليم، يوسف محمد، الذي حذر فيها من أنه إذا كان الدستور لا يحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي للمدى البعيد، فإنه سيجلب صراعات أكبر كما هو حاصل في البلدان المحيطة.
وتعود فكرة صياغة دستور للإقليم إلى عام 2000 بعد عامين على الانتهاء من الحرب الداخلية الطاحنة بين الحزبين الغريمين، الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة جلال الطالباني والحزب الديموقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البرزاني. لكن هذا الدستور لم يرَ النور حتى عام 2008 لمّا أقرّ برلمان الإقليم قانون مسودة لدستور لم يطرح على الاستفتاء نتيجة رفض أحزاب المعارضة السابقة، «حركة التغير» و«الاتحاد الإسلامي» و«الجماعة الإسلامية» لها، ما أجهض محاولات الحزبين الحاكمين آنذاك «الاتحاد الوطني» و«الحزب الديموقراطي» لطرحها في الاستفتاء العام خشية رفضها من قبل الجماهير.
«الاتحاد الوطني» و«الديموقراطي» مختلفان على شكل النظام السياسي

وعاد الحديث إلى ضرورة إنجاز دستور للإقليم بعد سقوط الموصل وما أفرزه من دعوات إلى ضرورة استقلال الإقليم، ليقرّ برلمان الإقليم في منتصف شهر نيسان الماضي تعديل قانون إعداد الدستور للاستفتاء، وبعدها بأسبوعين شكل لجنة لإعداد مسودة الدستور الجديد من ممثلي الأحزاب الذين لديهم مقاعد في برلمان.
وتأمل الأحزاب الكردية أن تتوصل اللجنة خلال تسعين يوماً ابتداءً من منتصف شهر أيار الماضي، إلى التوافق على دستور يكون مظلة قانونية لحل مشاكلهم المتراكمة يرضي كل الأحزاب ويستطيع جمع كل الآراء المتناقضة.
ومع أن مشروع الدستور القديم قد أقرّ اعتماد النظام البرلماني، إلا أن الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رئيس الإقليم، في منظور بعض الأحزاب، قلبت النضام واقعياً وعملياً من برلماني إلى رئاسي.
«الاتحاد الوطني الكردستاني» الذي شارك من قبل في صياغة مسودة الدستور القديم، أدار ظهره فجأة عن الحزب «الديموقراطي»، حليفه السابق في مسألة النظام السياسي، وانضم إلى الأحزاب الثلاثة الرئيسية الأخرى، المعارضة سابقاً، ليطالب حالياً بنظام برلماني في الدستور وانتخاب رئيس الإقليم من داخل قبة برلمان بدلاً من انتخابه مباشرة من الشعب.
وأوضح عضو لجنة إعداد الدستور عن الاتحاد الوطني الكردستاني، كوران أزاد، في حديث لـ«الأخبار» أن الحزب يريد «نظاماً برلمانياً متكاملاً في دستور إقليم كردستان مثل النظام البرلماني في الدستور العراقي وأن ينتخب رئيس الإقليم من داخل برلمان وليس من قبل الجماهير».
وكان رئيس الإقليم، مسعود البرزاني قد انتخب رئيساً مباشرةً من الشعب في الانتخابات الرئاسية عام 2009 لأول مرة بعدما انتخب رئيساً من قبل البرلمان في عام 2005، وحظي البرزاني فيها آنذاك على تأييد حزب الطالباني.
منتقدو النظام الرئاسي يريدون أن يثبتوا في الدستور الجديد انتخاب رئيس الإقليم من البرلمان حتى يتمكنوا من محاسبته أو سحب الثقة منه مع تقليص صلاحياته الحالية كما جاء في قانون رئاسة إقليم كردستان التي يعد نافذاً حالياً في ظل غياب الدستور.
لكن الحزب «الديموقراطي الكردستاني» الذى هيمن على منصب رئيس الإقليم مند عام 2005 حتى الآن له رأي آخر في ما يخص النظام البرلماني وآلية انتخاب الرئيس.
يقرّ ممثل الحزب في لجنة إعداد الدستور، فرست صوفي، بوجود خلافات حول نظام الحكم وآلية انتخاب الرئيس في الدستور. ويوضح صوفي في حديث لـ«الأخبار»، أن حزبه لا يريد تكرار تجربة الحكومة المركزية في إقليم كردستان، فالنظام البرلماني في الدستور العراقي سمح لرئيس الوزراء العراقي في جمع أغلبية السلطات بيده، كاشفاً أن الحزب «يريد أن يوزع الصلاحيات في دستور الإقليم بين رئيس الوزراء ورئيس الإقليم».
وفي ما يخص آلية انتخاب رئيس الإقليم في الدستور، قال صوفي: «نريد أن ينتخب رئيس الإقليم من قبل الجماهير وليس البرلمان».
يذكر أن رئيس الإقليم يحظى في مسودة الدستور القديم بصلاحيات واسعة من الناحية الأمنية والإدارية والسياسية، كذلك إن سحب الثقة منه يُعد المهمة المستحيلة نسبياً داخل البرلمان، لأن هذة الخطوه توجب مطالبة أولية من ثلثي أعضائه.
ويرى المختص في «القانون الدستوري»، شورش حسن أن مخاوف بعض الأحزاب من النظام الرئاسي وتوسيع صلاحيات رئيس الإقليم تعود إلى الخوف من خلق «ديكتاتورية فردية». وأضاف حسن في حديث لـ«الأخبار» أن «كلا النظامين الرئاسي والبرلماني يمكن أن يخلق مخاوف، لأن مبادئ الديموقراطية لم تثبت حتى الآن في الإقليم».     
ولا يدور الصراع على الدستور الجديد بين الأحزاب «العلمانية» فقط، فالإسلاميون أيضاً لديهم شروط دينية في صياغة الدستور الجديد.
عضو لجنة إعداد الدستور عن الحزب «الاتحاد الإسلامي»، أبو بكر هلدني، لمح إلى إصرار الإسلامين على إبقاء إحدى مواد مسودة الدستور القديم حول دور الدين الاسلإمي في التشريعات. ويقول هلدني في حديث لـ«الأخبار» إن «الاتحاد الإسلامي»، أبرز الأحزاب الإسلامية في الإقليم، يريد أن «يبقى الدين الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريعات كما ورد في المسودة القديم».