مش كلنا عم أبو رشدي

  • 0
  • ض
  • ض

صديقي أيهم، أكتب إليك بسرعة شديدة، كي لا تنطفئ شحنة بطارية اللابتوب في وجهي فجأة، كالعادة يا سعادة، ريثما يعود التيّار الكهربائي بعد أربع ساعات! يا إلهي كم أمقت فكرة تعودي على جداول برنامج التيّار الكهربائي في غزة، رغم أنّ الحاجة للتعوّد على ذلك لا بدّ منها، كي يضبط المرء مواعيده والتزاماته وأشياءه الأخرى بما يُناسب برنامج حياته، وكم أتعجب من أولئك الذين يحفظون عن ظهر قلب جداول برنامج الكهرباء رغم تبدلها كل فترة وأخرى. هل تدري شيئاً؟ ستتعجب وتُذهل، لو قلت لك إنّ النجّار عم أبو رشدي، هذا الستيني، يعتبر فترة انقطاع الكهرباء، فرصة ذهبية لديه، كي يُمرّن عضلات يديه، عبر استخدام أدواته اليدوية في النجارة. ذُهلت حينما سمعته يتحدث بتلك النبرة، وفمه يكشف عن بياض أسنان ناصع، يُشعّ بابتسامة قويّة جداً، تروي ما ترويه من التحدّي ليبقى نشيطاً، وبعيداً عن الخمول، كما هو أقصى مناه! ورغم أنّه ليس الجميع يُشبه العم أبو رشدي ولا طريقة تفكيره، إلا أنّه هناك، تلك اللحظة، كنت أفكّر إن كُنّا جميعنا، نبحث بتلقائية، من باب تعزية النفس، عن مساحات، أي مساحات تُرينا الضوء، تقول لنا إنّ انقطاع الكهرباء رحمة من رب العالمين ولو كذباً، المهم أن نفعلها ونتكيّف مع الأزمة، ونتقبل الأمر، ويمضي اليوم والذي يليه والذي يليه وهكذا دواليك! أطرف ما في الموضوع أنّ ربّات البيوت الغزيّات يجدن في فترة انقطاع الكهرباء فرصتهن الوحيدة للخروج من البيت، للذهاب إلى البحر، لأيّ مكان كان، أمّا الأزواج فلا يجدن مبرّراً يمنعهن من الخروج من معتقلهن الدائم "البيت"، بحكم منوال طبيعة حياتهن. آخرون يجدون أنّ انقطاع الكهرباء قدّم معروفاً جميلاً لهم، كونه سنح فرصة لهم لمجالسة عائلاتهم، بدلاً من التهائهم بهواتفهم المحمولة طوال الوقت. تتأمّل تكيّف الناس مع تلك الظروف، وكيف هي محاولاتهم لإدارة الأزمة، امتصاصها وتشربها، رغم كل الكبت والتعب الذي يظهرونه بأساليبهم الخاصة، فتعرف أنّه لا وقت هناك للتأمّل، هناك فقط مساحة للمقاومة لأجل العيش، وهل تدري شيئاً؟ برغم كل شيء هذا جميل وعجيب!

0 تعليق

التعليقات