لست مدمناً
دمشق | لا يطلب نبيل، طالب كلية العلوم، في جامعة دمشق، أكثر من النوم أربع ساعات متواصلة. «منذ ثلاث سنوات أجاهد لأتمكن من النوم. نحل جسدي، وصرت أعاني فقدان الوعي، نتيجة الإرهاق الشديد»، يقول نبيل، الذي يتوقّف تخرجه من الجامعة على مادتين اثنتين. ويتابع في حديثه مع «الأخبار»: «نزحنا من منزلنا الذي تهدّم لاحقاً، واستشهد أخي الذي يصغرني أمام عيني، ولم أتمكن من سحبه ودفنه، بسبب كثافة نيران القناصة.

خطف والدي قبل سنتين، وطلب الخاطفون مبلغاً كبيراً من المال، لم نكن نملكه، ولم نعد نعلم ما هو مصير والدي. أعيش مع والدتي وثلاثة إخوة، في منزل مؤلف من غرفة واحدة وحمّام ومطبخ مشترك. أنا المعيل الوحيد لهم. تركت دراستي، وعملت عتالاً ثمّ مندوب مبيعات جوال، وكل ذلك بغية أن أرهق نفسي، وأعود إلى المنزل، وأنام، لكن دون فائدة، فالأرق لم يفارقني، منذ تلك الأيام العصيبة، إلى أن ذكر لي أحد أصدقائي نوعاً من الحبوب المسكنة للألم، وقال إنها غير مؤذية، وتساعد على الاسترخاء. منذ ذلك اليوم أتناول تلك الحبوب فهي طبية ورخيصة الثمن، فسعر العلبة الواحدة أقل من 250 ليرة (أقل من دولار)». ويتابع حديثه متسائلاً: «بتّ أضطر إلى تناول أكثر من حبة، فهل أصبحت مدمناً؟ ربما، لكن ذلك أفضل من أن أفقد عقلي».
لا بدّ أنّ ظروف السوريين، في الحرب، متشابهة، فمنهم من فارق أحبة وعائلة، ومنهم من اضطر إلى أن يبقى، لأكثر من يوم، إلى جانب جثامين أفراد من عائلته، ومنهم من وجب عليه البقاء في مناطق الاشتباك لفترات طويلة. كلّ ذلك كان سبباً في شيوع ظواهر لم تكن مألوفة بكثرة في المجتمع السوري، قبل الحرب، كأن ترى أطفالاً دون العاشرة، يدخنون السجائر علناً، أو شباناً لا يستطيعون إكمال يومهم دون تناول المواد المهدئة أو المنشطة.

صيادلة متعاونون

تنتشر في بعض مناطق دمشق وريفها، وخاصة البلدات التي استقبلت وتستقبل النازحين، ظاهرة إدمان العقاقير الطبية المهدئة. ويشير عدد من الصيادلة، العاملين في منطقة جديدة عرطوز في ريف دمشق، إلى ارتفاع ملحوظ بعدد من يُقبلون على شراء الأدوية المهدئة والمنشطة، دون وصفات طبية. الصيدلاني نادر م. يقول لـ«الأخبار»: «قبل الأزمة كان عدد من يدمنون تناول أدوية معينة، وبخاصة المهدئات أو الأدوية التي تعمل على ارتخاء الأعصاب، قليل، ولم يكن يمثّل ظاهرة خطيرة، لكن، منذ أكثر من سنتين، بتنا نلحظ ازدياد الطلب على بعض الأدوية التي تباع عادة دون الحاجة إلى وصفة طبية، وعادة ما تكون هذه الأدوية رخيصة الثمن، إذ يراوح سعر الحبات العشر منها ما بين 100ـ 250 ليرة. واللافت أنّ من يطلبون هذه الأدوية، تراوح أعمارهم بين 15 إلى 40 سنة، إضافة إلى أن نسبة الفتيات اللواتي يقبلن على شراء هذه العقاقير باتت مساوية لنسبة الذكور». ويشرح نادر إمكان تمييز المرضى عن المدمنين: «فالمدمن يتصرف بعدائية ملحوظة، عندما نرفض بيعه العقار. ونحن نرفض بيع هذه الأدوية، إلا بموجب وصفة طبية، ما يدفع بعض المدمنين لإرسال ذويهم أو أصدقائهم، لشرائها، لكن بعد فترة يصبح الجميع مكشوفين»، ولكن لا تبدو خبرة الصيدلاني عاملاً مهمّاً في الحدّ من انتشار هذه الظاهرة، وخاصة في ظلّ شيوع عادة تأجير شهادات الصيدلة لأشخاص لم يدرسوا الصيدلة. وفي هذا الإطار يقول الصيدلاني سامر: «هناك، مع الأسف، صيدليات تبيع هذه العقاقير دون معرفة عاقبة الأمر، وذلك بسبب تأجير عدد من الصيادلة شهاداتهم، لأشخاص غير مؤهلين لهذا العمل، ما ساعد على انتشار هذه الظاهرة». ولحظنا في المناطق التي استطلعناها، أنه من بين كلّ 5 صيدليات، كان هناك صيدلية واحدة فقط يديرها شخص حاصل على شهادة الصيدلة (جرى استطلاع 35 صيدلية في دمشق، وريف دمشق)، فيما تراوح شهادات الأشخاص الذين يديرون الصيدليات، بين طلاب صيدلة من السنة الثانية، إلى طلاب السنوات الأخيرة، ثمّ شهادة المعهد الطبي، ومن ثمّ شهادة الأدب الانكليزي، وهؤلاء ينافسون طلاب كلية الصيدلة في فرصة إدارة صيدلية ما. مع وجود أشخاص يحملون شهادة المعهد التجاري أو غيرها من الشهادات التي لا تمتّ للطب أو الصيدلة بصلة، يديرون صيدليات، وخاصة في الأماكن النائية.
أمّا عن الأدوية التي تشهد إقبالاً مرتفعاً، فيقول الصيدلاني سالم ن. وهو يملك صيدلية في ضواحي دمشق: «تأتي العقاقير المرخية للأعصاب في المرتبة الأولى، تليها مسكنات الألم بكافة أشكالها، الكبسولات والشراب، وحتى التحاميل». ويضيف أنّ عدداً كبيراً من الأشخاص قد يلجأون لتناول المشروبات والمواد المسكرة، إلى جانب الحبوب المهدئة، لزيادة فعالية العقاقير التي يتناولونها، مؤكداً أنّ «معظم من يدمنون العقاقير الطبية، يدمنونها لتخطي مشاكل أصابتهم، نتيجة الظروف الاجتماعية والنفسية الصعبة التي تمر بها البلاد».
من الواضح أن السوريين لا يقبلون على الإدمان بسبب الاسترخاء، أو من باب الرفاهية، بل هرباً من واقعهم المرير، ومحاولة من البعض، للحفاظ على حياتهم. وهو ما يؤكده أحد الاختصاصيين الاجتماعيين، الذي يرى أن «الإدمان الذي نشهده اليوم هو أمر طارئ على المجتمع السوري، وسيختفي مع اختفاء الأسباب التي أدت لوجوده». ويرجّح الأطباء زيادةً مستقبليةً في عدد المدمنين، والسبب في ذلك، بحسب الدكتور أحمد، هو «التأثير الطويل الأمد لمخلّفات الحرب والضغوط النفسية التي يتعرض لها كل مواطن من جراء فقدان شخص مقرب، أو منزل، أو أي شيء له خصوصية في حياته».

أرقام وإحصائيات رسمية

تشير الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية السورية، إلى أن الوزارة ضبطت عدداً من الشبكات التي عملت على تهريب، وترويج المواد المخدرة داخل سوريا، كما ضبطت، عام 2014، 528 كلغ من الحشيش المخدر، و27.5 كغ من الهيرويين، وكمية أخرى من الكوكايين، و4066 كلغ مواد أولية، تستخدم في صناعة الحبوب المخدرة، و2876113 حبة كبتاغون مخدرة، و1.65 كغ من مادة الماريجوانا، و25 كغ من مخدر الامفيتامين، و25 كغ من انهيدريد الخل، و15 غراماً من الأفيون المخدر، وطناً من بذور القنب الهندي.