أحد عشر عاماً مرت علينا كأنها ألف عام أو أكثر. ككل الشعوب، حلمنا بنضالٍ أخفّ وطأةً على قلوبنا يقودنا إلى الحرية. لم يكن الحال يوماً أفضل من اليوم، لكن، كان الحلم يُجمِّل كل شيء.تهافتت أصواتنا. لأيامٍ كنا نعد الشاي على حطب الذاكرة ونقول: لا، هذه المرة الأمر مختلف، قالوا لنا إصلاح وتغيير. أحد الجالسين خطر على باله أن التغيير سيطاول المطار، وسيُسافر لابنه في هولندا! لم نعرف ولم يعرف هو بأن الإصلاح سيكسر قفل العبور، لا بل سيُصبح السفر مُحرَّماً. ونحن؟ في سجن يعلو حولنا سياجه. بموازاته كان سياج آخر ينمو في أعماقنا فيزيدنا خذلاناً ويأساً يوماً بعد يوم!
تابعنا الأخبار من البيت، وكنا نرصد الناخبين في عدسة الكاميرات، وأقول: "لو كنت في الثامنة عشرة.. لانتخبت الآن!". لكن، حين كنت أفكر بمن سأنتخب، كان تفكيري يتشوش. كل شيء كان يبدو أكبر وأكثر من أن تستوعبه فتاة صغيرة لم تنضج هويتها الشخصية في داخلها.
أسمع الذي يؤيد حماس فأميل إليهم، ولأيامٍ يحمّسني توجههم: تغيير وإصلاح، قالوا. لم أدرِ حينها بأن التغيير سيقلب الطاولة علينا، وسيكون طعمه مراً ولاذعاً. أمي التي بصمت بإبهامها حين أدلت بصوتها، لأن نسوة الجامع قررن ضمها إليهن وإلى حزبهن، ذهبت وصوتت لحماس. كانت الثورة في عينيها واضحة حينها. أتذكر كيف أنها ثارت على إخوتي وأبي لأنهم لن ينتخبوا!
كانت تُعطي مواعظ في أهمية الأمر، وأن الله سيُحاسبنا جميعاً على صوتنا! كانت تتحدث أمي بنبرة أمام الجامع المُنتمي إلى الحزب الحمساوي!
في ما بعد جاءت الحرب في 2008. كان الندم يأكل عيني أمي وقلبها. بعد أيام من الحرب قالت ذلك صراحةً: انتخبناهم عشان يجيبولنا حرب وموت؟ ثم كبر الندم وصار يشيع في الحارة. وكلما سمعنا صوت قصف، كان يتبعه إحساس أكبر بالندم. لكن الذين نالوا كوبونات دعم من الحزب كان حالهم مختلفاً تماماً: كانوا يدعون إلى الرباط والصبر! أم كلثوم كانت تجيبهم على لساننا: للصبر حدود، وصديق كان يقول: زراعة شجر الصبر يستغرق وقتاً طويلاً، ربما نموت جميعاً قبل أن يثمر!
أحد عشر عاماً مرت علينا وعلى تجربة الانتخابات في غزة، مرت خلالها ثلاث حروب، وانتكاسات لا تُعَدّ ولا تُحصى، لنعود للتجربة مرة أخرى: انتخابات البلديات في غزة والضفة، من سننتخب فيها؟!
سؤال كبير، والشارع منقسم حوله. منهم من يجيبك بتساؤل: كل الأجندات والشعارات شيء جميل ومثالي، ولكن ما الضمان؟ وقد جربنا الإصلاح سابقاً ولكم أن تروا نتيجته!
أما القسم الآخر، فسيُلقي عليك درساً في التنمية البشرية عن أهمية الإيجابية ودعم الانتخابات، لأنها تحدد مصيرنا، ولأننا نعيش واقعاً سيئاً وهذه وسيلتنا لنخرج منه، خاتمين بأن الإدلاء بأصواتنا أمانة!
عني أنا شخصياً، ولأن صوتي أمانة، سأخبِّئه في جرّار لا أستخدمه في عمق الخزانة، سأقفل عليه جيداً بانتظار أن أترشح بنفسي مع برنامج فيه نقطة واحدة: فتح المعبر. بهذا فقط أظن أنني سأنجح في الانتخابات!