بعد يومين على بث قناة «العربية» مقابلة خاصة مع رئيس «حركة الخدمة» الداعية التركي فتح الله غولن، ثم حذف المقابلة من موقع القناة الرسمي وصفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، هاجم أحد مستشاري الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (رفض الكشف عن اسمه)، في تصريح صحافي، "العربية" متهماً إياها بأنها «اختارت أن تكون أداة لنشر خطاب لإرهابي». وأضاف أن بث الحوار هو «عدم احترام لإرادة الشعب التركي»، مشيراً إلى أنها «تتوقع من حلفائها ووسائل الإعلام إدانة قوية ومباشرة للانقلاب، فضلاً عن تقديم الدعم حتى يلقى الجناة العدالة». ورفض مستشار إردوغان تأكيد المعلومات التي تحدثت عن طلب تركي رسمي من الرياض حذف المقابلة نهائياً.
هناك كلمة سر في الرياض للصحف بانتقاد تركيا بعد الانقلاب
تصريح المستشار التركي يعدّ الأول، بشكل صريح (رغم طلبه عدم الكشف عن اسمه)، بعد مؤشرات طفت على السطح عن انتقادات تركية لطريقة تغطية القناة السعودية أحداث الانقلاب الفاشل ليلة 15 تموز الماضي. إلا أن المتابع للإعلام السعودي يفهم أن هناك كلمة سر في الرياض للصحف بالتحديد في انتقاد التوجهات التركية في مرحلة ما بعد الانقلاب، وخصوصاً بعد زيارة إردوغان لروسيا، وارتفاع منسوب الحميمية في العلاقة بين طهران وأنقرة عقب الانقلاب، ولاحقاً زيارة ظريف لأنقرة، والتفاهمات حول ملف الأزمة في سوريا. صحيفة «الشرق الأوسط» عنونت، يوم الاثنين 22 آب، أن «أنقرة مدفوعة بتفاهماتها مع موسكو وطهران أعادت طرح المنطقة العازلة في سوريا»، وهنا استعمال مصطلح «مدفوعة» فيه ما فيه من الرسائل المبطنة باتجاه أنقرة. بالإضافة إلى ذلك، نشرت الصحيفة تقريراً، يوم السبت 20 آب، عنونته بـ«بولنت أرينش ... ضمير العدالة والتنمية»، سلطت فيه الضوء على معارضة ارينش (أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية) لسياسة إردوغان داخل الحزب وبوادر ارتفاع التأييد لآرائه، وخصوصاً بين الوزراء السابقين. المقاربة السعودية لعملية الانقلاب كانت قد ظهرت عقب عملية الانقلاب، حين انتظر الملك سلمان حوالى 48 ساعة بعد فشل الانقلاب ليتصل بإردوغان مطمئناً، من دون إيفاد أي شخصية سعودية إلى أنقرة للتعبير عن تضامن الرياض الجدي معها، وهما «الحليفان الاستراتيجيان» بعد تأسيس ما يعرف بـ«مجلس التعاون الاستراتيجي» العام الماضي.
وأيضاً، في هذا الوقت نقلت صحف ووسائل إعلامية تركية، يوم السبت 13 آب، عن المدير العام لقناة «سي أن أن تورك» إردوغان أكتاش، قوله إن رئيس الوزراء بن علي يلدريم، خلال لقائه مع ممثلي وسائل الإعلام التركية، ردّ على سؤال حول دعم السعودية لمحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة بقوله إنه «لا دخان بلا نار». وبعد ساعات على انتشار الخبر، نقلت وكالة أنباء "الأناضول" عن مصادر في رئاسة الوزراء نفياً للخبر، مشيرة إلى أن التعليقات بشأن دور السعودية في دعم الانقلاب «عارية من الصحة، ولا تعكس الحقيقة إطلاقاً»، معربة عن «تقدير الحكومة التركية وترحيبها بموقف السعودية الداعم لها، على خلفية المحاولة الانقلابية الأخيرة».
لم تكن هذه التسريبات والمعلومات عن دور السعودية وبعض الدول الأخرى (الإمارات) في دعم الانقلاب الفاشل في تركيا هي الأولى، فقد صدرت، أواخر الشهر الماضي، بعض التسريبات داخل تركيا همس بها إعلاميون وصحف عن الدور الخفي للسعودية في دعم الانقلاب، منها ما نُقل عن إردوغان خلال لقاء له مع عائلات ضحايا ليلة الانقلاب في حديث جانبي، واتهامه السعودية إلى جانب الأميركيين والأوروبيين بالوقوف وراء الانقلاب. لن تكون هذه التسريبات والمعلومات ــ التي لا تزال تصنّف في خانة الشائعات ــ الأخيرة، بل سيتكشف في المستقبل ما يجهد المسؤولون الأتراك في إخفائه عن وسائل الإعلام من دور لدول ــ يفترض أنها حليفة ــ في محاولة الانقلاب. لم يستطع السعوديون تجاوز عقدة التاريخ الدموي الذي يجمعهم بالأتراك، والذي يعود إلى بداية القرن التاسع عشر عندما سيق أمير الدولة السعودية الأولى عبدالله بن سعود إلى اسطنبول، عام 1818، وقُطع رأسه وعُلّقت جثته على بوابة المدينة لثلاثة أيام، وثُبّتت ورقة على صدره بخنجر كتب عليها «تركيا فوق الجميع». كل الوقائع في التاريخ الحديث للعلاقات بين البلدين تشير إلى أن السعودية تعاملت بحذر مع الأتراك، سواء كان الحاكم كمالياً او إسلامياً، بل رفضت الرياض تزويد أنقرة بالنفط لأكثر من 7 أعوام في ظل أزمة الأخيرة الاقتصادية التي امتدت من عام 1974 حتى عام 1981. تطورات المنطقة، أخيراً، حكمت على البلدين بتطوير تعاونهما المشترك، وخصوصاً في سوريا، بحكم التقاء الأهداف، مع الاختلاف في مشروع كل منهما. وتتجه الأنظار حالياً إلى مستقبل العلاقات بين أنقرة والرياض، في ظل ظهور مؤشرات توحي بالعودة بالعلاقة إلى فترتها الباردة، رغم الحرص التركي الواضح على ضبط الأعصاب والرد على الاستفزازات السعودية الإعلامية بدبلوماسية.