من يفوز حالياً في سوريا سياسياً وميدانياً؟ من سينتصر في المستقبل؟ ماذا لو ربحت «داعش»؟ ما هي استراتيجية واشنطن المطلوبة الآن؟ تلك هي الأسئلة المطروحة أخيراً في الاعلام الغربي حول الأوضاع في سوريا، وخصوصاً بعد التطورات الميدانية منذ أشهر.«ماذا لو قلنا أن لا أحد يفوز بالحرب السورية؟» سأل المحلل آرون لوند في معهد «كارنيغي»، شارحاً كيف أن الصراع هناك «قد يشبه تلك الحروب التي لا تنتهي بل تظلّ مستمرة حتى تتقمّص أشكالاً جديدة ليصبح العنف في اللادولة هو واقع الحال المستجدّ».

لوند يشير الى أن الرئيس السوري بشار الأسد ليس رابحاً «كما يدّعي» و«داعش» قد تحقق تقدّماً في سوريا مستقلّاً عن وضعها في العراق لكنها لا تستطيع بناء دولة. لماذا؟ في ما يخصّ الأسد، يشرح لوند أن الرئيس السوري «لا يبدو قادراً ولا يريد أن يشارك في تسوية سياسية يعيد بها للنظام شرعيته المحلية والدولية، أضف الى ضعف اقتصاده وعدم قدرة جيشه على مواجهة كافّة أعدائه». لذا، يخلص المحلل: «لن يحكم الأسد مجدداً سوريا كبلد موحّد». أما «داعش»، فهي أيضاً «لن تخرج منتصرة» يقول لوند، «لأنها قد تكون قادرة على التمدد لكنها عاجزة عن حكم دولة حقيقية إذ إن التنظيم لم يحقق الانتصارات الا بسبب فشل أعدائه». لوند، ذكّر في مقاله بكلام لخضر الابراهيمي عام ٢٠١٢ عندما حذّر الأخير كـ «مبعوث للسلام» حينها من «صَوْمَلة» سوريا. وافق الكاتب الابراهيمي في قوله هذا، مشيراً إلى أن سوريا قد تلقى مصير الصومال نفسه الذي، «وبعد إسقاط حكم الديكتاتور لم تحلّ فيه لا ديموقراطية ولا ديكتاتورية ثانية بل أناركية (حال فوضى) دائمة... حتى بات بنظر المجتمع الدولي قضية خاسرة وخرج من نطاق اهتمامه بعد حوالى ربع قرن». اذاً، يخلص المحلل، الى أنه من الآن حتى فترة زمنية غير محددة، «سيتقدّم أحد أطراف النزاع على الآخر ليتراجع أمامه مجدداً مراراً وتكراراً، وستُحتلّ البلدات ثم تُسترَدّ مرّة بعد مرّة، والمعارك ستُخاض بخسارة وربح بشكل متتالٍ حتى نفقد القدرة على متابعتها». «لا الأسد ولا أي مجموعة معارضة ستتمكّن من إعادة تركيب بلد اسمه سوريا مجدداً»، يقول لوند.
نائب مدير «وكالة الاستخبارات المركزية» CIA السابق جون ماكلوغلن، وضع من جهته السيناريوهات التي من خلالها يمكن التفكير بأن «داعش» يمكن أن ينتصر. فأشار مثلاً الى أن برنامج التدريب الذي تنفّذه واشنطن مع المعارضين السوريين لن يهزم التنظيم الإسلامي فهو «ضروري لكن ليس بكافٍ»، لأن «الشعوب لا تقاتل فقط لأنها مدرّبة، بل تقاتل إن آمنت بسبب ما للقتال... وفي الوقت الحالي، أكبر عدد من المؤمنين بذلك هم مع داعش». «أحد الدروس التي تعلّمتها من حرب فييتنام هو أن تدريب الناس شيء وحملهم على القتال شيء آخر»، يضيف ماكلوغلن. المسؤول الاستخباري السابق يحذّر من أنه اذا انتصرت «داعش» في العراق وسوريا فإن خطرها «سينتقل ليهدد البلدان المجاورة وبلدانا اخرى مثل الولايات المتحدة الأميركية».
صورة سوداوية اخرى، رسمها كولوم لينش في مجلة «فورين بوليسي»، مستنداً الى أبرز نتائج تقرير فريق مراقبي مجلس الأمن لمكافحة الإرهاب الصادر أخيراً. الكاتب يخلص الى أنه «حتى لو تخلّصت الولايات المتحدة وحلفاؤها من داعش في سوريا والعراق فإن العالم لن يكون أكثر أماناً». لماذا؟ ينقل الكاتب عن تقرير فريق المراقبين الأممي، أن «هزم داعش في سوريا والعراق، وهو أمر غير مستحيل في المدى المنظور، سيؤدي، عن غير قصد، الى نشر مقاتلين إرهابيين عنيفين في جميع أنحاء العالم، وبالتالي أمر مواجهتهم سيصبح أكثر تعقيداً». «الخطر الاستراتيجي ذاك سيتفاقم في عام ٢٠١٥ والسنوات المقبلة»، يضيف التقرير ويشير الى أنه «أكثر من نصف بلدان العالم يولّدون حالياً مقاتلين إرهابيين أجانب»، وأكثر من «٢٢ ألف مقاتل من أكثر من ١٠٠ دولة انضموا الى المعارك في سوريا منذ بداية النزاع».
الصورة مظلمة إذاً، في الشرق الأوسط على نحو عام، وفي سوريا على نحو خاص، وسيكون للأحداث تداعيات على الغرب أيضاً في السنوات المقبلة، فماذا اقترح البعض على واشنطن في ظلّ هذه السيناريوهات السوداء؟
بعض المحللين اقترحوا سياسة «الاحتواء»، كالعادة، عندما تفشل واشنطن بإنهاء كارثة تسببت بشكل أو بآخر بها. توماس فريدمان في «ذي نيويورك تايمز» دعا الى ما سمّاه سياسة «الاحتواء والتدعيم» أي «أن نساعد مَن يظهرون النيّة لاحتواء داعش مثل الأردن ولبنان والإمارات العربية المتحدة وأكراد العراق وأن ندعّم أي شيء تبدي المجموعات في اليمن وسوريا وليبيا والعراق استعدادها لفعله من خلال القوة التي لديها، شرط أن لا نستبدل قوتنا بقوتهم». فريدمان، اتهم كلّاً من السعودية وإيران بأداء دور «مشعل النار» و«مطفئها» في العراق كما في سوريا، وخلص الى أنه هناك سيناريوهين لسوريا وليبيا واليمن والعراق الآن: إما أن تحتلّها قوة خارجية وتقضي على حروبها الطائفية وتدمّر المتطرفين... وهذا لن يحصل، وإما أن تأكل النيران نفسها في النهاية». وهنا ذكّر فريدمان بالحرب اللبنانية «التي انتهت بعدما أُنهك المتقاتلون فتوصّلوا الى معادلة لا غالب ولا مغلوب، كما حصل أيضاً في تونس أخيراً».