حمص | في مشاغل الخياطة الواقعة في الطوابق العلوية، من مبنى جمعيّة «رعاية الطفل» في مدينة حمص، تجلس عشرات النساء اللواتي يعملن على آلاتهن بإتقان وعناية. تعرض إحدى النساء، بفخر، ما أنتجته من ملابس قطنية، باتت تفتقدها الصناعة الوطنية. وتقوم بإحضار عدد من القطع المشغولة تحت مسمى «اللمسة الحمصية» التي تتميز بزخارف خاصة اشتهرت فيها المدينة. وتأتي بملابس أطفال صمّمت خصيصاً لعيد الفطر، إضافة إلى ملبوسات أُخرى، يمثل «الجينز» جزءاً هاماً منها.
أمّا في قبو المبنى، المؤلف من أربع طبقات على الهيكل، والواقع في حيّ الإنشاءات، فيعد مشروع زراعة الفطر هو الأهم، والأكثر ربحية، حيث يقوم 17 عاملاً بزراعة الفطر، وينخفض العدد إلى 5 عمّال في مرحلة الجني. وبينما يحاول القيمون على الجمعية، الاعتماد على أنفسهم في تعليب الفطر، المنتج في مقرهم، إلا أنهم يقولون أنّ الأمر ما زال في طور التجريب. ورغم حساسية زراعة الفطر، وحاجته إلى الرطوبة، ودرجات حرارة منخفضة، غير أن العناية المضاعفة والإتقان في العمل ومراعاة شروط الزراعة، جعلت إنتاج الجمعية جيداً. يبتسم أحد العاملين في الجمعية قائلاً: «لو أخّرتِ زيارتك أسبوعاً، لزرتِ سطح المبنى الذي نعدّه لمشروع زراعي أيضاً».

تعمل الجمعية على إيجاد فرص عمل وتأمين احتياجات النازحين في 12 مركز إيواء
وتستفيد الجمعية من ارتفاع أسعار الفطر في السوق السوريّة لتمويل مشروعها ذاتياً، إضافة إلى تأمين بدل إيجار المقر الذي يبلغ 2,5 مليون ليرة سنوياً، بحسب رزان الأتاسي، مديرة الجمعية، التي قالت في حديث مع «الأخبار»: «الجمعية شاركت بعض المشاريع مع المنظمات العالمية، بهدف خلق فرص عمل، شملت بمعظمها النازحين من المناطق الساخنة. منها كفالات أيتام ومشاريع مع منظمة اليونسيف، ومشاريع تعليمية وتنموية مع منظمة UNDP، تضمّنت مشاغل تيليكو، ومعمل للحلويات، إضافة إلى مشروع زراعة الفطر، في قبو المبنى المستأجر».
الجمعية التي تأسست عام 1957، والتي أنشئت بغرض رعاية الأسر الفقيرة والأيتام، وجدت نفسها، خلال الحرب، معنية برعاية 3 آلاف عائلة متضرّرة من الحرب، إضافة إلى 300 يتيم، ومدرسة تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة. وتدعم الجمعية 600 فرصة عمل، تتناقص أو تزداد بحسب مدّة المشاريع المقامة. وتمتلك 3 مشاريع رياض أطفال، منذ ما قبل الأزمة السورية، أضيفت إليها روضة رابعة، أنشأت ضمن مركز إيواء، خدمة لأطفال النازحين. كما قدّم هذا العام دورات تقوية للشهادتين الإعدادية والثانوية لـ 1500 طفل. واستطاعت الجمعية كسب ثقة المنظمات الدولية التي موّلت 18 مشروعاً، بما يعادل 1,5 مليون دولار. فيما تعتمد الجمعية في تمويلها على مشاريع ذاتية، وأموال متبرعين. «نحن نعتمد على مشاريعنا الذاتية في التمويل بنسبة 85%»، تؤكّد الأتاسي. وبلغت ميزانية الجمعية لعام 2014، أكثر من 121 مليون ليرة سورية، وهو رقم يعد مرتفعاً بين الجمعيات السورية.
في الطابق الأرضي تقع صيدلية الجمعية التي يشرف عليها أطباء وصيادلة، بعضهم متطوعون، وتعمل على تقديم الدواء، مجاناً، للنازحين، كما تقوم الجمعية بتوزيع اللباس المجاني أيضاً عليهم، وتوضح الأتاسي: «لدينا أماكن أُخرى مخصصة لبيع منتجاتنا. هذا المقر مخصص للملابس المجانية، التي نقدمها للنازحين».
في مقر جمعية «رعاية الطفل» تتجلّى المقاومة في سبيل الحياة، حيث يعمل أعضاء الجمعية، البالغ عددهم 140 ناشطاً، على حلّ مشكل النازحين الموجودين في 12 مركز إيواء، في محاولة منهم لتخفيف معناة الحرب، وإعادة خلق الأمل بحياة جديدة يطمح السوريون إليها.