للمرة الثالثة تحلّ سنوية «رابعة العدوية» في مصر، بقليل من الحضور الإخواني في الشارع، وكثير من الصخب على مواقع التواصل الاجتماعي، بجانب جملة من أفلام وثائقية أنتجتها «الإخوان» أو «النوافذ» الإعلامية المقربة منها. لكن الجديد هذه المرة الدعوة العامة والشاملة إلى محاسبة قيادات الجماعة على تلك المرحلة.إذاً، انقسام الجماعة، الذي لا تخطئه العين، هو بيت القصيد المتربع على طاولة الحديث في ذكرى «رابعة»، خاصة أن «فجاعة المجزرة ومقتل المئات لم يبعثا في ضمير القيادات المتنافرة أي ندم، كي تلأَم جرحها وتُنهي حالة الشقاق».
والأسئلة الرائجة، هذه المرة، كانت عن محاسبة قيادات في الجماعة هي بنظر الشباب مسؤولة عن مقتل المئات، وكذلك عن الخلل في قرار الاعتصام، ولماذا لم تخرج «الإخوان» ببيان واضح بتفاصيل تلك المرحلة بالكامل، ليعلم المناصرون والمنضوون المعلومات التي يخفيها كثيرون بخصوص الاعتصام؟
لم تقدّم الجماعة إحصاءً دقيقاً لعدد القتلى في فضّ الاعتصام حتى اليوم

ينادي هؤلاء بمحاسبات علنية واعتزال لقيادات عليا، واعتذار أيضاً للرأي العام ولهم عن «المسؤولية السياسية والجنائية عن المشاركة في قتل المعتصمين بسبب الافتقار إلى الأفق السياسي والقدرة على مناورة السلطة». لكن مع كثرة الحديث عن المحاسبة، يردّ بعض رافضي «جلد الذات»، بالسؤال عن «محاسبة الرئيس عبد الفتاح السيسي عن قتل المئات»، مضيفين إلى احتجاجهم ما يعانيه الآلاف في السجون.
وفيما خرجت روايات من مقربين من السلطة تتهم «الإخوان» بالنكوص عن التفاوض مع الأولى، واستبدال ذلك بالتقرب من الغرب لإنقاذها من الصراع مع الجيش (كما ذكر الداعية محمد حسان)، يتوقف الزمن بالإخوانيين عند 14 آب 2013. فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، لم يقدم أحد في الجماعة توثيقاً كاملاً للحالة التي مرت بهم، ولم تصدر أي مطبوعة ورقية تتضمن رواياتهم للأحداث، بل صاروا متهمين بأنهم «تركوا أبناء الصف الإخواني لقمة سائغة لروايات مبتورة من جانب السلطة تارة، ومن بعض الناقمين على الإخوان وسياساتهم تارة أخرى».
كذلك عجزت الجماعة عن الجزم بحصر نهائي لعدد القتلى والمصابين آنذاك. فرواية «المنظمة العربية لحقوق الإنسان»، ومقرها لندن، قالت إن الحصر النهائي لم يتعدّ 800 قتيل، فيما تخرج روايات لمراكز حقوقية مغمورة ومحسوبة على «الإخوان»، بتقديرات أعلى من ذلك بكثير، علماً بأن إحصائية «هيومن رايتس ووتش» تصل إلى حدود ألف قتيل.
عجز «الإخوان» عن حصر الضحايا هو جزء من حالة الشتات التي تعانيها، فضلاً عن تخبطها في إدارة أدقّ ملفاتها أهمية وحيوية، ولا سيما إدارة الملف الحقوقي الخارجي بنجاح. فبرغم النشاط الملحوظ، لم تستطع الجماعة إصدار أي إقرار من أي جهة رسمية دولية يتهم نظام السيسي بالمسؤولية المباشرة عن قتل المعتصمين.
ومع اتهامات «الإخوان» للتيار المدني بالمسؤولية المباشرة عن «الانقضاض على تجربة ديموقراطية» هم عمادها، تبادل جل التيار المدني الاتهام مع الجماعة بالمسؤولية عن الدماء التي سالت في «رابعة العدوية»، ومحاولة أخْونة الدولة، والاستئثار بالسلطة على حساب الآخرين. لكن التيار المدني لم يتحلّ بالشجاعة ويعلن مسؤوليته عن استجلاب الجيش إلى الساحة السياسية، ولا «الإخوان» استطاعت تجاوز ما رأته «خيانة» من الآخرين.
ولا يغيب أنه منذ الوهلة الأولى لإطاحة محمد مرسي من السلطة، قصدت «الإخوان» الغرب للعمل على إرجاع الأمور إلى ما كانت عليه قبل رحيل مرسي، ولكن قيادات الجماعة لم تستطع لقاء أي مسؤولين رسميين كرؤساء وزراء أو وزراء، وفقاً لتصريحات من مصادر داخل «المجلس الثوري المصري»، وهو كيان سياسي محسوب على «الإخوان» في الخارج. واقتصرت غالبية اللقاءات على أعضاء في البرلمانات الأوروبية ولجان حقوق الإنسان.
حتى رغم غرق الدولة المصرية في مأزق اقتصادي كبير، لم تستطع الجماعة استثمار ذلك لصناعة تجييش شعبي ضد السلطة، ولا كذلك المشاركة مع أي قوى سياسية لصناعة تفاهم واحد!