مع الزخم الإعلامي الذي صاحب ترويج «مكتب الأزمة في الخارج» لمشروع التغيير داخل «جماعة الإخوان المسلمون»، ومساعيه للانتهاء من إجراء الانتخابات الداخلية في كل المكاتب الإجارية على مستوى مصر، بل إعلانه نيته بفصل اللجان الدعوية عن الحزبية في الجماعة، كان القيادي التاريخي محمود عزت يسير في اتجاه آخر كلياً. استطاع عزت إحكام قبضته على التنظيم من جديد، ووقف إجراء الانتخابات في معظم المكاتب الإدارية حتى تلك التي أجريت فيها الانتخابات على يد «الأزمة»، ثم استطاع اختراقها والزجّ برجالاته داخلها.وإيقاف تلك الانتخابات كان الضربة الأولى من عزت للقيادي محمد كمال، فيما الخطوة التالية هي إدخال الصف الإخواني في تهيئة نفسية لقبول التفاوض مع الدولة المصرية، والعمل على إقناع المناصرين والمنتمين بأن «المعادلة الصفرية» لا طائل منها بعد المقدار الضخم من الضحايا الذي دفعه التنظيم طوال السنوات الثلاث الماضية.
واللافت أن استطلاعاً للرأي عُمِّم على قواعد «الإخوان» داخل مصر، تضمن أسئلة ثلاثة عن مدى قبول التصالح مع الدولة، أو الاستمرار في الصدام حتى إشعار آخر، أو انسحاب الجماعة من الساحة السياسية بالكامل والعودة إلى العمل الدعوي لمدة عشر سنوات مقبلة، فجاءت المفاجأة أن غالبية الثقل في محافظات الدلتا وبعض محافظات الصعيد، أجابت بأنها مع التفاوض مع السلطة وإنهاء حالة الصدام التي لم يألفها الإخوانيون منذ سنوات.
أما حيثيات قبول التصالح، فليست نتيجة يوم وليلة، بل سجالات طاولت اجتماعات «الإخوان»، خاصة أن «العمل الثوري» الذي تبناه مكتب محمد كمال طوال عام دفع المناصرون كلفة عالية بسببه، فيما لم يؤت ثمنه ولا نتائجه، فضلاً عن أن الجيش استطاع تثبيت أركانه وانتزع اعترافات الغرب والخليج معاً بعبد الفتاح السيسي رئيساً، لذلك لا مجال للحديث عن انقلاب هنا أو شرعية منتزعة هناك.
لكن ترويض مجموعة كمال داخل «الإخوان»، خاصة المتحدث باسم الجماعة سابقاً محمد منتصر، كانت الخطوة الثالثة بعد الاستطلاع. ووفقاً لمصادر إخوانية من الداخل، استطاع عزت إقصاء منتصر عن الإعلام وإسكات صوته، وتبع ذلك إرسال قيادات إخوانية موالية لعزت في زيارات للمحافظات والتبشير بمساعي الرجل داخل الجماعة، خاصة بطلان نتائج الانتخابات الداخلية والعمل على قبول التفاوض مع السلطة.
ومع نجاحات عزت المستمرة في مواجهة كمال، سكتت النوافذ الإعلامية المحسوبة على مكتب الخارج، وتوقفت عن الترويج لمشروع التغيير الذي تكلمت عنه طوال أشهر. كذلك إن الاقتراب من لملمة المشكلات الداخلية، بات الهمّ الأساسي لجبهة محمود عزت.
ووفقاً لقيادي إخواني، مقيم في مدينة جدة السعودية، فإنه مع «العروض الكثيرة التي قدمتها الرياض إلى الإخوان من أجل التصالح وإعراض الإخوان عنها، تحول الموقف السعودي كلياً إلى وجهة نظر السيسي». لكنه يضيف: «إخفاق السعودية في ملف اليمن وتذبذب موقف إخوان اليمن من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، جعلها ترفع يدها كلياً عن ملف التصالح بين الإخوان والقاهرة بالكامل. هي الآن مشغولة في سوريا وتدعم جبهة فتح الشام (جبهة النصرة)».
أما عن تركيا، وعقب التصريحات المتتالية من الحكومة التركية برغبة حثيثة في التصالح مع القاهرة، ثم فشل محاولة الانقلاب على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ومعاودته الهجوم على السيسي والتلميح إلى دور له في الانقلاب، يتبين أن لا إمكانية لأنقرة في إنجاز خرق على صعيد المصالحة بين الجماعة والقاهرة.
كل ذلك فتح على عزت السؤال عن الضامن الدولي لإجراء الصلح مع السلطة وضمان بنودها. وفيما يرى قياديون إخوانيون أن مساعيهم الحقوقية الدولية قد تؤتي أكلها في مقاضاة السيسي دولياً، فإن قيادياً آخر في الدوحة يرفض التعويل على الغرب، خاصة أوروبا «التي تظهر نوعاً ما انحيازاً إلى الجماعة عبر التحدث مع القاهرة في الإفراج عن المعتقلين وتعويض الضحايا». لكنه ذكر أن «المزاج الغربي الرسمي لا يزال في جعبة السيسي رغم انتقادات برلمانيين أو سياسيين أو جمعيات حقوقية له».
ورغم صعوبة الإجابة عن الضامن الدولي أو الإقليمي، فإن التحول لدى القواعد الإخوانية في قبول التصالح هو العنصر الأهم لمحمود عزت خلال هذه المرحلة.