علمنا من بعض وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية خبر فتح التحقيق في البلاغ المقدم من أحد المحامين ضد السيد حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، واتهامهما بالخيانة ودعم حزب الله والتخابر معه، بعد حضورهما مؤتمراً لدعم المقاومة في لبنان. تلك هي القصة، وكنت قد اهتممت بمعرفتها ومتابعتها بعدما اتصل بي المفكر القومي المناضل معن بشور كي يسألني عن صحة الخبر ويطمئن على الأخوين عبد المنعم وحمدين.لأني ابن من أبناء المحروسة، كنت قد تعودت سماع وقراءة تلك القصص التي يقف خلفها ما اعتاد المصريون أن يطلقوا عليهم «المواطنون الشرفاء». هو لقب تهكمي بالطبع يوصف به المتعاونون مع أجهزة الأمن، وتلك القصة تكررت كثيراً بعد «ثورة يناير 2011»، خاصة أن أجهزة الأمن أوعزت إلى بعض العاملين لديها أو التابعين لها بأن يقدموا بلاغات في قيادة ما لها دور في معارضة نظام الحكم. وكنا قد تعودنا من الدولة المصرية القديمة ودهاقنتها أن تحتفظ دائماً بملفات مفتوحة ولا تغلقها حتى تكون قادرة في أي وقت على استخدامها. وهكذا تستطيع أجهزة الدولة القديمة أن تتحكم في طرف الخيط دائماً، حتى يكون الطرف المعارض في متناول يدها دائماً.
هذا ما حدث بالضبط: محامٍ من «المواطنين الشرفاء» أوعز إليه بأن يقدم بلاغاً ضد السيد حمدين صباحي، مرشح رئاسة الجمهورية السابق، والسيد عبد المنعم أبو الفتوح، فنفذ التعليمات الصادرة له، ثم تقوم الصحافة بمتابعة الخبر، ومن حين إلى آخر يعاد نشره، ويضاف إليه كلام حول استدعائهما إلى التحقيق مثلاً – أمر لم يحدث – ثم عند البحث بدقة، نجده خبراً قديماً تم تجديده، وقد صنعته الأجهزة العتيقة.
القصة الحقيقية هي أن السيد صباحي ذهب بعد غياب طال إلى مؤتمر دعم المقاومة في لبنان، واختار قبول تلك الدعوة الكريمة بالذات لتكون رداً عملياً على ذهاب وزير خارجية نظام الرئيس السيسي إلى القدس ومقابلة رئيس وزراء الكيان الصهيوني. اختار السيد حمدين حضور مؤتمر دعم المقاومة ليكون رداً عملياً على وصف الصحف الإسرائيلية للرئيس السيسي بالصديق الحميم والكنز الاستراتيجي كما كان مبارك من قبله، لذلك كان من الطبيعي أن يختار حمدين وأبو الفتوح الموقع المعبّر عنهما: موقع دعم المقاومة ومناهضة التطبيع، فهو وحده المحرر للأرض المحتلة، وهو وحده المحرر للإنسان العربي من أنظمة الاستبداد والتبعية.
كان من الطبيعي أن يتحدث حمدين عن المقاومة كفلسفة حياة، وفلسفة كاملة تبدأ بنظرة الإنسان إلى ذاته، فهو خليفة الله على الأرض والمجسّد في كل سلوكه اليومي لقيم العدل والاستقلال، لذلك طبيعي أن يكون رافعاً لرايات مقاومة العدو المحتل، ومقاومة الحاكم الظالم، ومقاومة القهر والاستبداد.
كان من الطبيعي أن يكون في مقدمة صفوف المناضلين من أجل كرامة الإنسان وحريته واستقلاله، وكانت تلك الزيارة أبلغ وأقسى ردّ موجّه إلى نظام اختار التحالف مع العدو الصهيوني، وتنازل عن جزيرتين مصريتين (تيران وصنافير) للسعودية، من أجل أن تكونا حلقة وصل مع الكيان والسعودية ومصر، وهكذا تنطلق على الأرض أعمال تصورات شيمون بيريز في شرق أوسط جديد، يتعاون فيه العقل اليهودي والمال السعودي والعمالة المصرية.
لكن صباحي وعى الرسالة ورد عليها بأنه لا سبيل أمام تقدمنا كأمة عربية إلا بالتمسك بعروبتنا وتمسكنا بالمقاومة، مقاومة بالسلاح وبالمقاطعة والعصيان، مقاومة الثقافة المستهدفة لبناء مجتمع الكرامة والعدل والحرية. تلك هي المقاومة التي تبني مستقبلاً حراً للإنسان.
في النهاية، رأى الشعب المصري والشعب العربي المشهد ببساطة: «واحد بيتفرج على ماتش الكورة مع نتنياهو العدو، وآخر يقف في خندق المقاومة لمواجهة أعداء الأمة». هذه هي القصة ببساطة، والسبب الرئيسي في هذا البلاغ الهزلي.