لم تنتظر آلة الحرب السعودية عودة وفد «أنصار الله» وحزب «المؤتمر الشعبي العام» إلى العاصمة صنعاء حتى صبّت جام غضبها على اليمن، وسريعاً بدأ الترويج إلى عودة «إعادة الأمل» وهي التسمية الحركية لحملة «عاصفة الحزم»، وانتقل الساسة والإعلام السعودي والحلفاء اليمنيون والخليجيون إلى إطلاق سيل من الاتهامات لوفد صنعاء بعرقلة مفاوضات الكويت.الماكينة الإعلامية الخليجية أخذت وضعية التأهب والاستعداد لتلقي البيانات العسكرية الصادرة عن قيادة «التحالف» ومواكبة المجريات الميدانية في الجانب اليمني، وأكدت هذه الماكينة، في ما يشبه التعميم للقنوات والصحف والمواقع الالكترونية ولكتاب معروفين، أن الخيار الوحيد هو الحرب على اليمن. وكأن السنة ونصف السنة من عمر هذه الحرب كانت برداً وسلاماً.
التصعيد السعودي بالغارات الكثيفة (تجاوزت 110) يوم الثلاثاء فقط على العاصمة صنعاء والعديد من المحافظات الأخرى ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا من المدنيين وفي الوقت نفسه أبلغت الرياض الأمم المتحدة وقف الرحلات الجوية بين اليمن والعالم الخارجي ما تسبب باحتجاز وفد صنعاء في مسقط.
الماكينة الإعلامية
الخليجية أخذت وضعيّة التأهّب لتلقّي البيانات العسكرية

في الجانب الميداني، اشتعلت جبهة نهم شرقي صنعاء وأعلنت قيادة أركان قوات الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي بدء «معركة الحسم» على وقع حشود كبيرة استعداداً للعمليات العسكرية المقبلة والهدف الرئيسي الوصول الى العاصمة تحت مسمى «التحرير موعدنا»، مع الإشارة الى أن الهجمات العسكرية على جبهة نهم لم تتوقف حتى أثناء مفاوضات الكويت، ولكن المتغير الوحيد هذه المرة هو حجم الحشودات التي زجت بها هذه القوات، مع الإشارة أيضاً إلى أن نهم هي منطقة جغرافية معقدة وفيها عشرات الجبال والتلال والهضاب ولا يؤدي سقوط إحداها إلى تغيير في الموازين العسكرية.
التصعيد السعودي المستجد هو تكرار للمحاولات السابقة التي كانت تسبق المفاوضات أو تليها، وفي كل مرة كانت تبوء بالفشل وتصطدم بجدار الصمود وقوة الدفاعات اليمنية. المحاولة هذه المرة لن تغير في المشهد أبداً، بل سوف تؤكد المؤكد وهو أن السعودية ماضية في عنادها وضرب رأسها في الجدار، وأنها مستمرة في الاعتماد على المراوغة ومضيها في الخيار العسكري وعدم قدرتها على إيجاد مخرج سياسي يخرجها من الوحول اليمنية.
أما قصف صنعاء والمحافظات الأخرى ووقف الرحلات الجوية، فيأتي في إطار الارتقاء بالضغوط على اليمن للتأثير عليه، في محاولة مكررة لتطويعه وإحداث توازن عسكري ميداني. ويأتي التصعيد السعودي بعد إدراكه بفشل الضغوط السابقة في التوظيف السياسي على طاولة المفاوضات، وهي بالمناسبة محاولة إضافية ملّ منها الشعب اليمني وستكون نتيجتها شبيهة بالمحاولات السابقة.
فترة الشهر التي حددها مبعوث الامم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ للبدء بجولة جديدة من المفاوضات، على أن يحدد مكانها وجدول أعمالها لاحقاً بالتوافق بين الاطراف المعنية، سوف تكون فاصلة زمنية مفتوحة على كل أشكال التصعيد. فباعتقاد الرياض، أن الارتقاء بالتصعيد العسكري يؤمن لها أوراق قوة تستطيع جلبها الى طاولة المفاوضات، غير أن الخيار العسكري المجرب منذ سنة ونصف سنة لن يجلب لها سوف الخيبة والفشل وإظهار حقيقة عجزها وسمعتها السيئة الآخذة بالازدياد والانتشار. بالاضافة إلى ترسيخ صورة جيشها المهزوم وجنودها الهاربين من مواقعهم حيث يطاردهم الجنود اليمنيون بما توافر لديهم من أسلحة خفيفة. وبهذه الحالة سوف تنشط وزارة خارجيتها بزيادة التعاقد مع شركات العلاقات العامة العالمية في محاولة لتلميع صورتها في أروقة الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الانسان، لأن أوراق القوة التي تبحث عنها لن تجدها إلا بتراكم المزيد من قتل الأطفال والنساء وضرب البنى التحتية في اليمن.
أما اليمن الذي هو في حالة الدفاع فيكفيه الصمود والارتقاء في مستويات الردود والعمليات الايذائية مقابل الهمجية السعودية التي مهما بلغت فهي غير قادرة على ليّ ذراع الشعب اليمني.