يظهر حجم خرق «طوق حلب» في الإعلام أوسع ممّا يعكسه الميدان. 72 ساعة مرّت على «فك الحصار عن أحياء حلب الغربية»: الملف أقفل لدى معظم القنوات والتنسيقيات والناشطين. وضعَ «جيش الفتح» الجميع في انتظار الساعة الصفر لاقتحام أحياء حلب الغربية (أو هكذا استطاع أن يوحي). أمّا عملياً، فالوضع مختلف تماماً، معطيات الأرض لا تبشّر حالياً بقدرة خيالية لـ«القاعدة» (سابقاً؟) وأخواتها في إحداث «إنجازات» إضافية. وبدا أنّ «الخرق» الذي اعترف السعودي عبد الله المحيسني (عرّاب «جيش الفتح») بكونه «غيرَ كافٍ ولم يفك الحصار»، ليس في طور التوسعة. «محاولة واحدة لإحداث خرق جديد أُجهضت بعد غارة جوية على منطقة غابة الأسد (شمال الراشدين الرابعة، غرب حلب) أول من أمس»، يقول مسؤول ميداني في «محور دمشق». القيادي لا ينفي قدرة المسلحين على خلق موجات ضغط كبيرة وموجعة في أكثر من مكان، لكنه يؤكد أنّ احتواء الوضع ــ وهو ما جرى ــ وإعادة عقارب الساعة إلى يوم «تمكين طوق حلب» ممكن وقيد الإنجاز. في هذا السياق، جاء تثبيت خطّ دفاعيّ متين على تماس مع تمركزات المسلحين في الراموسة والكليات و«مشروع 1070» (شقة سكنية).
قوة أساسية من «جيش الفتح» أصبحت خارج الخدمة
هذا الخط، بالإضافة إلى الروح المعنوية والنفسية عند المهاجمين المنتشين بنصرهم لم يتمظهر في أي محاولة عسكرية جديدة لهم، فـ«قوة أساسية من جيش الفتح أصبحت خارج الخدمة (بين قتلى ومصابين)»، يقول المسؤول، وبالتالي «هم أيضاً لديهم حساباتهم وأماكن خلل لا يستطيعون معالجتها بسهولة». ليل أمس، كاد الخبر يمرّ عادياً: إقفال الثغرة التي خرقها المسلحون في محور الراموسة باتجاه الأحياء الشرقية بشكل كامل بعد رصدها بالأسلحة النارية المباشرة من جهات عدّة. سَبَق «الإقفال» استهداف جرافة حاولت إنشاء سواتر وتحصينات لـ«الممر» المستحدث. في النتيجة، ما تغيّر أنّ الجيش استبدل بطريق الراموسة طريق الكاستيلّو شمالاً، وأسهم الضغط جنوباً بالالتفات إلى أهمية ممر الشمال كمعبر لمصلحة الدولة السورية أكثر من كونه مجرد سدّ منيع أمام خط إمداد المسلحين من الريف الغربي إلى داخل المدينة. أما المجموعات المسلحة، فما زالت محكومةً بهاجس «الكفاح لإحداث ثغرة»، ودون ذلك عواقب كثيرة. ومن البديهي أنّ الطرفين ليسا في وارد الرضى بالوضعية الحالية، وإن كان «قلب الطاولة» غير ممكن في المرحلة الراهنة. المسلحون بحاجة لفتح ثغرة «حقيقية» مع تأمين جوانبها من الريف الجنوبي إلى المدينة، وهذا يحتاج إلى قضم المزيد من المناطق، فيما الجيش السوري يولي اهتمامه لإعادة إقفال الطريق بالنار أولاً، ثمّ إبعاد المسلحين إلى ما قبل «غزوة الأحد»، وبعدها تثبيت خط دفاعي مغاير ليوم الهجوم الأول، وضمن هذا الإطار جاءت تحركات الجيش وحلفائه خلال اليومين الأخيرين. ويمكن القول إنّ «تتويج» هذه المرحلة لم يعد بحاجة إلى أكثر من «قضمتين» متتاليتين وتثبيتٍ للسيطرة في التلال المجاورة، ليجد مسلّحو «الفتح» أنفسهم محصورين في مساحة ساقطة ناريّاً داخل «مجمّع الكليّات». في جعبة الفريقين أوراق إضافية، مع ملاحظة أنّ ما يمتلكه الجيش السوري من أدوات ضغط وإشغال تفوق تلك التي بحوزة المسلحين. فالفريق الأول قادر على توسيع رقعة الأمان غرب طريق الكاستيلو، وتالياً تشكيل خطر حقيقي على بلدات أساسية مثل كفرحمرة وحريتان وعندان. كذلك فإنّ التقدم الجديد في ريف اللاذقية الشمالي واقتراب تماسه مع ريف جسر الشغور يضع التنظيمات المسلحة أمام «مخاطر» تشتت الجبهات والجهود. ثمّة عوامل كثيرة تسهم في زيادة مفاعيل هذه «المخاطر» يأتي في مقدّمتها أنّ «القوّة الضاربة» لدى المسلّحين في المنطقة الممتدة من حلب إلى اللاذقية مروراً بإدلب تكاد تقتصر على «الحزب الإسلامي التركستاني»، ومجموعات إضافيّة صغيرة من «نُخب النصرة (فتح الشّام)». وباتت هذه «القوّة» بمثابة قوّة متنقّلة «لا غنى عنها» على كل الجبهات المذكورة، مع ما يعنيه هذا من إجهاد إضافيّ لها. يضاف إلى ذلك أنّ «انغماسيي التركستان» يبرعون في العمليات الهجوميّة دونَ الدفاعية. مساعي «جيش الفتح» إلى سدّ هذه الثغرة عكسها الميدان في صورة تزايد عدد «الأطفال المجاهدين» الذين عكفت «معسكرات المحيسني» الجهاديّة على تجهيزهم منذ «فتح إدلب» لرفد الصفوف متى احتاجت إلى عديدٍ إضافي («الأخبار»، العدد 2672). أمام هذه المعطيات، تتجه أنظار «مجاهدي الشمال» نحو «إخوتهم» في الجنوب. ويعوّل «جيش الفتح» على قيام نظرائه هناك بفتح جبهات جديدة شديدة الفاعلية، نظراً إلى ما تشكّله من بعد حيوي في «خاصرة دمشق»، مع ما يعنيه ذلك من دفع الدولة السورية إلى تبديد جهد لوجستي وعملاني لسد أي ثغرة في تلك الجبهة. لكن وقائع الميدان وكواليسه تؤكّد أنّ دون فتح «جبهة درعا» تعقيدات كثيرة. وينقل متابعون لأحوالها عمق الخلافات بين المجموعات المسلحة نفسها، وبين ثنائية «الموك ــ جهاديين»، حيث الاختلاف في الوجهة والأهداف والتخطيط.




كشفت المقاومة للمرة الأولى عن استخدامها لطائرات مسيّرة تضرب أهدافاً عسكرية. وفي معلومات «الأخبار»، فإن هذه الطائرات «دخلت الخدمة منذ زمن»، وظهرت أمس في شريط مصوّر وهي تستهدف مقراً لقياديي المسلحين، وتجمّعاً لهم في قرية خلصة في ريف حلب الجنوبي.