غزة | لا تكاد احتفالات التخرّج في رياض الأطفال في قطاع غزة تخلو من فقرة مسرحية يمثّل فيها الأطفال حال رجال المقاومة ومعاركهم ضد جنود الاحتلال. يرتدي الأطفال الزي العسكري بألوانه الزرقاء والبنية، ويتوشحون برايات تعود إلى أجنحة عسكرية تتبع لفصائل المقاومة، كل روضة وفق داعمها من الأحزاب، وإن تعذر فإنهم يحملون علم فلسطين.كذلك لا تخلو الأجواء الاحتفالية من الأناشيد الحماسية، فيما يحمل الأطفال الذين ينظرون إلى ما حولهم من كاميرات أسلحة «بلاستيكية»، وقد تتورد خدودهم من الخجل حينما ينسون الدور المنوط بهم.
«فقرة المقاومة» ليست وليدة اليوم، ولكنها كانت في السابق تقتصر على الرياض التي تتبع لجمعيات حركة «حماس» أو «الجهاد الإسلامي»، فيما سطع نجمها اليوم وغزت أغلب احتفالات رياض الأطفال بعد انتهاء الحرب الأخيرة الصيف الماضي.
«بغية زرع حب المقاومة في نفوس الأطفال، وكي لا ينسوا أن أرضهم مغتصبة من الاحتلال»، تقول سماح حمد، وهي مربية في روضة «الأمل» للأطفال في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، مضيفة: «من المهم تعريف الأطفال بأسباب الحروب التي تشنها إسرائيل عليهم». في الوقت نفسه، يشرح مدير «الأمل»، محمد الصالحي أن «هذه الخطوة أتت بعد اجتماع إداري، فتقرر التغلب على خوف الأطفال من الحرب، لأن آثارها واضحة على عدد كبير منهم»، مشيراً إلى أن ذلك دفعهم إلى جعل هذه الفقرة رئيسية في الحفل.
في المقابل، رفضت الاختصاصية النفسية سلمى الحايك، هذه الفكرة، مشككة في نجاح هذه الفقرات بإيصال الأفكار التي تحدث عنها القائمون على رياض الأطفال. وتصر الحايك على أن تمثيل مشاهد القتال «يضر بالجيل الصاعد ويعزز لديهم العنف حتى لو كانت الصورة الراسخة في أذهانهم أن المقاوم البطل يطرح العدو أرضاً». وتضيف: «صحيح أن الأهالي فرحون بمنظر أطفالهم الذي يدل على الشجاعة، ولكن هذا ليس مطلوباً من الأطفال... السلوكيات والمعايير التربوية هدفها إنشاء جيل قادر على موازنة أمور حياته».
وترى الاختصاصية أن «انتشار هذه الظاهرة خارج الروضات الحزبية، سببه تولي وزير يتبع لـ«حماس» (أسامة المزيني) زمام أمور التربية والتعليم، وهو الذي شرّع برنامج الفتوة لطلاب المدارس، وهو برنامج ما بين الكشفي والعسكري، وأشرف عليه ضباط من وزارة الداخلية.
أما محمد الصالحي، فيرى أن المجتمع الفلسطيني عامة والغزي خاصة موسوم بالعسكرية بسبب وجود الاحتلال، وأن هذه الحالة مترافقة مع بقاء الاحتلال وستزول مع زواله، مضيفاً: «لا يمكن أحداً أن يدعي أن ثمة فلسطينيين غير مؤطرين سياسياً، وهذا بالطبع له تأثيره في كل جوانب الحياة، ومنها التعليم».
المظاهر العسكرية لم تقتصر على الحفلات التي تنظم في رياض الأطفال خلال هذا الصيف وانتهاء الفصل الثاني من العام الدراسي، ولا كذلك على الفتية الذين سينتظمون في مخيمات عسكرية قريبة، إذ إنه سيشمل الفتيات قريباً. فقبل أيام، كشف النائب عن «حماس» في المجلس التشريعي، مشير المصري، إلى أنه يجري الإعداد لتنفيذ مخيمات «طلائع التحرير للفتيات»، وهي خطوة لا شك في أنها ستثير الرأي العام وسيستغلها الإعلام الإسرائيلي والدولي، كالعادة، لتظهير غزة كأنها في حالة عسكرة وعدائية كبيرة.
رغم ذلك، إن الحكم على نجاح هذه المشاريع هو الأرضية الشعبية في غزة، التي إن لاقت استحساناً فسيكون واضحاً أن العسكرة حالة ذاتية ترسم ملامحها السياسة، فضلاً عن الامتداد الجماهيري الكبير لـ«حماس» هنا.