أوباما: التدخل يخدم أمننا
أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أمس، أن "دعم" معركة "حكومة الوفاق الوطني" التي يرأسها، فائز السراج، ضد تنظيم "داعش" يصب في "مصلحة الأمن القومي الأميركي"، وذلك بعد يوم من إعلان إدارته أنها بدأت بتنفيذ ضربات جوية في مدينة سرت بطلب من حكومة السراج. وقال أوباما إن الضربات الجوية نفذت لضمان أن تتمكن القوات الليبية من إنجاز مهمة قتال "داعش" وتعزيز الاستقرار في ليبيا، مشيراً إلى أنّ "الأمر لا يقتصر علينا وحدنا، بل إنّ لدى الاوروبيين ودول اخرى في العالم مصلحة كبيرة بأن تكون ليبيا مستقرة".
لكن في ظل الانقسام المتواصل بصورته العامة بين شرق البلاد وغربها، والذي يعكس بدوره انقساماً على المستوى الإقليمي (بين مصر والإمارات من جهة، وقطر وتركيا من جهة أخرى)، يأتي إعلان التدخل الأميركي جواً في سرت ليقدّم معطيين إضافيين.
يشير التدخّل بوضوح إلى دعم واشنطن للكتائب التي تقاتل إلى جانب حكومة السراج، وهذا ما يعطي دفعاً لتلك الحكومة، بخاصة أنّ الإعلان "لاقى ترحيباً واسعاً في مصراتة" (وفق أشخاص محليين)، وهي المدينة التي تمثّل قاعدة خلفية ترتكز عليها حكومة السراج في غرب البلاد لتأمين جزء مهم من نفوذها.
أما إقليمياً ودولياً: فمن جهة تشير الضربات الأميركية في سرت إلى أنّ "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن أعلن فتح جبهة جديدة في الحرب مع تنظيم "داعش" بالتوازي مع تلك المزعومة في العراق وسوريا. ومن جهة أخرى، فإنّ الضربات تطرح تساؤلات جدية عن طبيعة التنسيق بين القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في المسرح الليبي.

السراج يواجه "الخيبة"

في الداخل الليبي، لم يتمكن بعد فائز السراج من بسط سيطرته على كامل تراب الغرب الليبي، بالتزامن مع عجز بعثة الأمم المتحدة عن تطبيق الاتفاق السياسي الذي جرى التوصل إليه في الصخيرات المغربية في نهاية العام الماضي، وبالتالي فإنّ السراج لا يحكم عملياً إلا في حدود عدد من المناطق الغربية، وهو مضطر أيضاً إلى التعاون مع الفصائل والقوى المحلية لبسط نفوذ حكومته.
دبلوماسي مصري: لا يوجد اتفاق، ولو سرياً، يحدد طبيعة التدخل ومداه

وقد كان لافتاً يوم أمس، أن تنشر صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريراً تقول فيه: "يبدو بعيداً الزمن الذي كان بإمكان فائز السراج التجوّل فيه بحرية في ساحة الشهداء في طرابلس محاطاً بالسكان الذين أتوا لتحيته بحرارة... كانت شعبيته في أوجها عند وصوله إلى العاصمة الليبية بطريقة غير متوقعة على متن باخرة حربية ليبية (في نهاية آذار الماضي)، إذ اغتبط الليبيون لرؤية فريق السراج يعوّض الحكومة المشكلة من التكتل السياسي والعسكري المسمى فجر ليبيا... وقد استقبل السكان السراج على أمل تمكنه، بدعم من رعاته الدوليين، من تحقيق السلام، وبالتالي ازدهار ليبيا". ويلفت التقرير إلى أنّه بعد نحو أربعة أشهر من وصول السراج، فإنّه يواجه "الخيبة مريرة".
عملياً، كان تراكم عناصر هذا المشهد في الآونة الأخيرة قد دفع السراج إلى الاستفادة من "معركة سرت" ضد "داعش" لاستعادة بعض من الزحم الداعم لحكومته. وهو اليوم يعوّل على "الدعم الأميركي" الإضافي لإنهاء تلك المعركة، وقد حاول، في الخطاب الذي ألقاه أول من أمس، تقديم ضمانات إلى الليبيين، حين قال: "في هذه المرحلة تأتي (الضربات) في إطار زمني محدد ولن تتجاوز مدينة سرت وضواحيها". وبينما لم يستبعد أن ترسل الولايات المتحدة مجموعات عسكرية للقيام بمهمات "لوجستية فنية غير قتالية"، أضاف: "لن يكون هناك أي وجود عسكري قتالي على الأرض، وسيختصر أي وجود، إن احتاج الأمر، بالدعم الفني واللوجستي فقط".

الأجندات الدولية المتباينة

إلى جانب بعض الحسابات الداخلية لفائز السراج ولفريقه، فإنّ هذا الرجل الذي يُقدَّم على أنه رئيس "الحكومة التي يريد المجتمع الدولي والأمم المتحدة الإسراع في تشكيلها لإنهاء الانقسام الليبي"، يُواجه أجندات إقليمية ودولية متضاربة جداً في ليبيا، وبالتالي إنّ القرار الذي قد يُصدره لن يتمكن بأي صورة من معرفة تداعياته أو محاصرتها، وهو بدأ عملياً بتلقي الانتقادات. فعلى سبيل المثال، عنونت أمس صحيفة "الخبر" الجزائرية (وهي مع العلم معارضة نسبياً للحكم في الجزائر): "حكومة السراج تشرعن التدخل العسكري الأمريكي في ليبيا".
وفي ظل عدم صدور ردود فعل إقليمية رسمية، طرح مصدر دبلوماسي مصري في حديثه لـ"الأخبار" أمس، عدداً من الأسئلة عن طبيعة التدخل "إذ لا يوجد بحسب علمي مثلاً اتفاق بين الجهتين، ولو سرياً، يحدد طبيعة التدخل ومداه... وإن كان سيتبعه تدخل بري، أو لا". وأمل المصدر التنسيق بين القوى الفاعلة في ليبيا، وأن يحصل الدمج بين قوى الشرق والغرب في البلاد عبر القفز فوق الخلافات القائمة حتى الساعة بخصوص هوية وزير الدفاع وقائد الجيش.
من جهة أخرى، إنّ بروز التباين بين الأطراف الدولية إلى العلن لا يعود فقط إلى العشرين من تموز الماضي حين اضطر الفرنسيون إلى الاعتراف، ولو بصورة غير رسمية، بدعم قوات خليفة حفتر في الشرق إثر سقوط طوافة تابعة لهم بالقرب من بنغازي، بل هو أقدم من ذلك، بخاصة أنّ مجمل القوى الغربية لديها حضور على صور مختلفة (أبرزها القوات الخاصة) ولديها أجندات متناقضة، كما قال الباحث في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، ماتيا توالدو، لـ"الأخبار". وأشار توالدو إلى أنّ "التناقض" برز من جهة باريس التي بدت، بعد انكشاف الدعم لحفتر، وكأنها تدعم السراج سياسياً، فيما تقدّم الدعم العسكري لحفتر (الخصم مبدئياً).
(الأخبار)