خلال الأسبوع الماضي، توالت المتغيرات المؤثرة في التحركات الإقليمية والدولية المواكبة للأزمة اليمنية. وبعد الجمود والترقب الدولي الذي شهدته الجولة الثانية من مشاورات الكويت، تمكنت حركة «أنصار الله» مع حزب «المؤتمر الشعبي العام» من إحداث تغيير كبير في المعادلة ووضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع الذي كان يحاول تجاهله باستمرار انسجاماً مع الرغبات السعودية.فالاتفاق السياسي الذي أعلنته من صنعاء بين حركة «أنصار الله» وحزب «المؤتمر الشعبي العام»، أربك الطرف الآخر وداعميه وجعله يتخذ سلسلة قرارات وصفت بـ«الانفعالية»، وصلت إلى درجة صنع ما تقول مصادر مطلعة إنه «فبركات» شارك فيها المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ حين تقدم بمقترح للحل، وتوقيع وفد الرياض عليه مقابل رفض وفد صنعاء لهذا المقترح، وهو ما عدّه أعضاء وفد صنعاء، مجرد مسرحية الغرض منها إفشال المشاورات وتحميلهم مسؤولية ذلك، وهو ما تحقق بالفعل حين غادر وفد الرياض أول من أمس. وعلل الوفد الذي يمثل الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي ذلك بتوقيع مشروع الأمم المتحدة، مؤكداً أنه لن يعود حتى يوقع وفد صنعاء.
مغادرة وفد الرياض لم تؤثر باستمرار المشاورات في الكويت، إذ أفاد مصدر مقرب من المفاوضات بأن المجتمع الدولي بات على قناعة تامة بضرورة التوصل إلى حل سياسي. هذه القناعة نابعة، بحسب المصدر، من إدراكه أن الحل العسكري لم ينجح حتى الآن، لافتاً إلى أن هذه القناعة «هي ما يتكئ عليه وفد صنعاء في الإصرار على بقائه في الكويت، برغم استفزازات الطرف الآخر»، وفي الوقت الذي أوضح فيه المصدر أن مغادرة وفد الرياض جاءت بطلب من السعودية التي أوفدت سياسيين وعسكريين برئاسة السفير السعودي للتفاوض مباشرةً مع وفد صنعاء. كذلك أكد عضو وفد «أنصار الله» المفاوض مهدي المشّاط عبر موقع «فايسبوك» أن مغادرة وفد الرياض الكويت تعدّ فرصة للنقاش مع الجهة المعنية مباشرة، وهذا مؤشر إيجابي.
وتعزز هذه القراءة اللقاءات التي يجريها وفد صنعاء مع أطراف إقليمية ودولية معنية بالقضية اليمنية، إذ التقى الوفد أمس بسفراء الدول الثماني عشر الداعمة للتسوية السياسية في اليمن. وفي اللقاء قدم وفد صنعاء شرحاً مستفيضاً لما قدمه من رؤى خلال المشاورات التي شملت مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية والإنسانية والاقتصادية، مؤكداً تمسكه بالحل الشامل وغير المجزّأ. وشدد وفد صنعاء أيضاً على أن اليمن بعد عام ونصف من العدوان «لم يعد يحتمل الحلول المجزأة»، مذكراً بحرصه على تحقيق السلام، «فيما عمل وفد الرياض على عرقلة المشاورات منذ اليوم الأول من خلال تعليقاته للجلسات وانسحاباته المتكررة التي كان آخرها أول من أمس».
يأتي ذلك غداة تسريب مشروع اتفاق سياسي قدمه السفراء إلى الأطراف المتحاورة. وقال المصدر المقرب من المحادثات إن المشروع الذي قدمه سفراء الدول الراعية رغبةً من المجتمع الدولي بعد فشل المبعوث في تقديم صيغة موحدة متوازنة وشفافة على الطرفين، هو السبب الرئيسي في انسحاب وفد الرياض من المشاورات أول من أمس. وبدا من خلال بنود ذلك المقترح أنها بنيت على قواعد اتفاق كان قد أسس لها المبعوث الدولي السابق جمال بن عمر قبل إعلان الحرب على اليمن في نهاية آذار من عام 2015، الأمر الذي يفهم منه أن المجتمع الدولي بات على قناعة تامة بأن العاصفة لم تحقق أياً من أهدافها.
في هذه الأثناء، عقد الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي أمس في العاصمة السعودية الرياض اجتماعاً بمستشاريه وأعضاء وفده المفاوض، حيث أوضح هادي أن التنازلات التي قدمها الوفد «لم توصل لنتيجة» بسبب ما وصفه «تعنت الطرف الآخر». وخلال الاجتماع قدم رئيس الوفد عبد الملك المخلافي صورة موجزة عن طبيعة عمل فريقه خلال فترة المشاورات والمراحل التي مرت بها، وصولاً إلى ما أمكن تحقيقه، في إشارة إلى توقيع «مقترح ولد الشيخ».
مصادر دبلوماسية يمنية في الرياض، أكدت لـ«الأخبار» أن من المتوقع مغادرة هادي وحكومته خلال الأيام القليلة المقبلة إلى عدن، بطلب سعودي يرمي إلى جعلهم يديرون الصراع من داخل اليمن، في سياق سعي المملكة إلى التفاوض مع قوى صنعاء بمعزل عن الصراع اليمني ـ اليمني. وكانت قد سبقت هذا الطلب مؤشرات عدة أبرزها إيفاد السعودية مفاوضين إلى الكويت لبحث التصعيد العسكري الأخير على الحدود مع وفد صنعاء، وهو ما جاء متناغماً مع تصريح المتحدث باسم «التحالف» أحمد عسيري قبل يومين عن أن طبيعة الصراع الدائر هوصراع يمني ـ يمني.