«مبروك عرسك يا حلب». هكذا نادى أبو محمد على بضاعته، أمس، بعد سماعه خبر استعادة الجيش حي بني زيد، في مدينته. بائع صابون الغار المهجّر، منذ 4 سنوات، يجلس أمام بسطته عند «دوّار الزراعة» في اللاذقية. لم يتمالك نفسه أمام الأخبار المفرحة، دمعت عيناه، وهو يقول «إش دي قلك، كانت الروح رايحة، ورجعت من جديد، حاكوني ولاد عمي من حلب، قالوا الزغاريد معباية شوارعها». يمسح دمعه بباطن كفه، ويضيف «أبوس روح الجيش يلي رجّع الروح لحلب».يحلو للحلبيين المهجّرين إلى اللاذقية تسمية منطقة شاليهات «الشاطئ الأزرق»، بـ«حلب الجديدة». هناك، ضجّ الحلبييون، جنباً إلى جنب مع اللاذقانيين، بالزغاريد. تسمّروا أمام شاشات التلفاز، وهواتفهم المحمولة، يتابعون آخر أخبار تقدم الجيش.
وأثناء مشاهدة اللقطات الأولى لرفع العلم السوري في الحي، علّق أبو أنس، ابن قرية السفيرة، في ريف حلب الجنوبي، ببهجة على خبر اكتشاف الجيش معملاً لتصنيع جرار الغاز المتفجرة هناك. أبو أنس فقد ساقه العام الماضي في ريف دمشق، يروي أن «حي بني زيد كان بوابة جهنم على الحلبيين... ذاقوا الويلات من قذائف الهاون، وجرار الغاز». يرى في إنجاز الجيش «محافظة على أرواح الباقيين»، مستعيذاً بالله «من تصعيد في مكانٍ آخر». يؤيده رفيقه بكري، الذي يعمل أجيراً في مكتب لتأجير الشاليهات، شارحاً مشاهد موت ودمار عايشها وأهله قبل نزوحهم إلى اللاذقية: «كنّا نضلّ نسأل حالنا ليه تاركينها لحلب تنباد؟ وكنا مفكرين خلص ما عاد إلنا رجعة. لكن هلق رجعلنا الأمل نرجع ع بيوتنا، سكة حلب ما عادت مقطوعة».
يخاف الحلبيون
من تصعيد المسلحين في مكانٍ آخر

يضيف «الحلبية طول عمرهن يحبوا البحر، ويحبوا يجوا ع الساحل ليصيفوا، لكن هالسيران (الرحلة) طوّل وبدنا نرجع ع بيوتنا، مين ترك دارو قلّ مقدارو».
بآهةٍ عميقة، يوافق أبو سلمان، ذو السبعين عاماً، على كلام بكري. كان قد خرج لتوّه من مشادة مع صاحب البيت الذي رفع الإيجار من 21 إلى 25 ألف ليرة سورية. ورغم تألمه من جشع أصحاب البيوت لحاجة المهجرين إلى مسكن، لا يخفي فرحه بانتصارات الجيش. يحدوه الأمل بأن يعود إلى بيته، وإن كان يعلم أنه مجرد أنقاض. يقول «لحظة بلحظة، ونفس بنفس، عم تابع شو عم يصير، وعندي أمل يوصل الجيش لحي بستان الباشا، ويتحرر وإرجع ع حارتي ونضّف الأنقاض محل ما كان بيتي، ومد حصيرة ونام، وموت هونيك». وبصوته المخنوق يضيف «اليوم، وأنا ناطر دوري ع فرن الخبز، كانوا عم يحكوا عن الحلبية، كيف عملوا أزمة سكن وغلا باللادقية، قلتلن لا بقى تقولوا عنا حلبية لك نحن سوريين، وها الغلا نحن دقنا منو أكتر منكم تعتير وظلم».
يجمع أغلب الحلبيين على حلم العودة إلى «عاصمة الشمال». يبدو أن ثمة من لديه رأي آخر، ومنهم أحمد، الذي افتتح واحداً من أكبر محال الحلويات الحلبية، في أحد الأحياء الشعبية في اللاذقية. بات لديه زبائن يقصدونه من كل مكان: «ما بفكر ارجع ع حلب إلا بعد ما ترجع متل ما كانت، وترجع الخدمات والمي والكهربا وغيرها، نحن فتحنا مصالح باللاذقية، وتعبنا حتى عملنا اسم وسمعة، وبعد ما راحت أرزاقنا بحلب ما رح نخليها تروح هون مرة تانية».
نشوة انتصارات الجيش، السائدة بين السوريين، عموماً، تخلّلها استياء البعض تجاه فكرة تسوية أوضاع المسلحين، بناءً على المرسوم التشريعي، الذي أصدره الرئيس بشار الأسد. يقول سالم، الموظف الحكومي، «كلنا منعرف قصص المسلحين يلي انعفى عنهم، ورجعوا حملوا سلاح مرة تانية. هدول عندهم اعتقاد إنو قتلنا حلال، وما رح يتغيروا بين ليلة وضحاها». يطرح تساؤلاً «ليه كل ما حققنا نصر بمطرح وضعف عدونا منرجع منسوّيلو وضعو ليرجع يغدرنا مرة تانية؟».
وبينما يبدو سالم متشدداً في اعتبار رمي السلاح مجرد تمثيلية سيدفع ثمنها السوريون لاحقاً، يجد حسام حمدان، مدرس لغة عربية، التسوية سعياً حكيماً لحقن الدماء. يرى أن «من يرفض تسوية أوضاع المسلحين يريد حرب (داحس والغبراء)، ولا يريد لهذه الدماء أن تجف»، لأن «أي سعي نحو رمي السلاح، ولو مؤقتاً، هو حفاظ على دماء أولاد هالبلد».