تصاعد غريب لأحداث الفتن الطائفية في مصر، لا يستبعد أن يكون هدفه الخفي الإلهاء عن أزمات اقتصادية وبرلمانية تعصف بالبلاد، وخاصة أن سبعة حوادث مختلفة يجري تسويتها عرفياً وسط غضب بابويّ وأوامر رئاسية بالحل الودي. الأحداث خلال الأيام الماضية شملت محافظات عدة، في تصاعد يشبه ما كان يحدث أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، والهدف واضح: إلهاء المواطنين والإعلام بأزمة طائفية تستغرق وقتاً طويلاً، أو أزمات متفرقة تهدف إلى تشتيت الرأي العام عن قضايا سياسية واقتصادية حساسة. لكن كل ذلك يتزامن مع رغبة حكومية في إمرار قانون بناء الكنائس بصيغة لا ترحب بها الكنائس، بالإضافة إلى إمرار قوانين مهمة عبر مجلس النواب، في مقدمها «الخدمة المدنية» الذي أقر أمس، بجانب قانون انتخابات المحليات الذي يتوقع أن يخرج بصورة حكومية تضمن السيطرة على انتخاباته، على غرار ما حدث مع النيابية، في ظل الصلاحيات التي ستحصل عليها المحليات، وفقاً للدستور.الأزمة الحقيقية في الأحداث، التي شهدت محافظة المنيا نصيبها الأكبر خلال الأسبوعين الماضيين وسط أزمات أخرى تم احتواؤها سريعاً في أسوان والغردقة وبني سويف، لا تبدو الحكومة جادة في تطبيق القانون فيها بصرامة، وهو على عكس ما تحدث عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال الأسبوع الماضي، تحديداً عن تطبيق القانون على الجميع من دون مساومة تسمح بتهرب الجاني من جريمته «حتى لو كان رئيس الجمهورية»، وهو الرد الذي جاء بعد يوم واحد فقط من قرار البابا تواضروس الثاني إلغاء عظته احتجاجاً على أحداث المنيا.
البابا غاضب من الدولة جدياً، فالرجل الذي وقف إلى جوار السيسي خلال «بيان 3 يوليو» لإطاحة الرئيس الإسلامي محمد مرسي، كما استقبل «الجنرال» ثلاث مرات في الكنيسة (مرتين أثناء قداس عيد الميلاد)، يرى أن الدولة لا تزال تهمش الأقباط رغم اللغة الواضحة التي تعتبرهم شركاء في الوطن. وهو ما عبر عنه في مقالة نشرها الأسبوع الماضي في مجلة تصدر عن الكنيسة، مطالباً بتسهيل إجراءات بناء الكنائس وممارسة المسيحيين شعائرهم الدينية دون قيود، وتنفيذ توصيات مجلس النواب عن أحداث فتنة الخانكة عام 1972، التي لا تزال حبيسة الأدراج.
حتى الآن، لا يعرف من يقف وراء الفتن رغم إلقاء وزارة الداخلية القبض على مسلمين ومسيحيين فيها. ورغم وقوع الاعتداء على المسيحيين، تساوم الوزارة عائلاتهم على تغيير أقوالهم مقابل الإفراج عن أبنائها، وهو الأسلوب الذي اتبعه وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي. كذلك نقلت مصادر، في حديث إلى «الأخبار»، أنباء عن أوامر رئاسية بسرعة تسوية الأزمات الطائفية بودّ وليس بالقانون، حتى لا يكون للأمر ذيول تشتغل مجدداً في حال إصدار أحكام بالحبس على المتهمين المنتمين إلى العائلات المسلمة.
ولا تبدو الشرطة خصماً عادلاً في أحداث الفتنة الطائفية، وكذلك «بيت العائلة» الذي يضم ممثلين عن الأزهر والكنيسة. فرغم التسويات التي ينفذها «البيت» في أحداث عدة، فإن الغضب القبطي مكتوم بسبب الشعور بالعجز عن القصاص، فيما تكتفي الحكومة (الإدارات المحلية والمشايخ) بالتعويضات المالية وترميم المنازل المحترقة وتعويض أصحابها، وهي الحلول التي يسند بعضها إلى القوات المسلحة لضمان سرعة التنفيذ على غرار ما حدث في «فتنة الكرم»، وستتسلم العائلات القبطية المنازل التي تعرضت للحرق صباح أمس.
ويتهم بعض المحسوبين على التيار الإسلامي، الكنيسة، بالرغبة في التصعيد لضمان إمرار قانون بناء الكنائس بالطريقة التي تريدها وليس بالصيغة الحكومية. وحالياً، تدور لقاءات بين النواب الأقباط أملاً بالتوصل إلى صيغة ترضي الكنيسة والحكومة معاً.