بدايةً، لماذا تُريد «النصرة» فك الارتباط؟ وماذا يعني فك الارتباط؟ هل ستتخلى عن «القاعدة»؟ وهل سيكون تخلّياً فعلياً أم شكلياً؟ كيف سيُترجم ذلك على أرض الواقع؟ ماذا ستكسب «النصرة» وماذا ستُحقق «القاعدة»؟ أم سيولد تنظيم «قاعدة مقنّعة»؟ وهل سيؤدي هذا الخيار إلى انشقاق «النصرة»؟
أشاد الظواهري بعملية التبادل التي أنجزتها «النصرة» مع الحكومة اللبنانية
الإجابة عن التساؤلات الواردة أعلاه متشعّبة. ولا شكّ أن دعوات «النصرة» لفك الارتباط هي محاولات لإضفاء الشرعية ونزع صفة الإرهاب عنها مقابل مكتسبات ستُحصّلها هذه الدول من دعمها «النصرة» إذا خرجت من عباءة الإرهاب المتمثّل بـ«القاعدة»، بحسب العرف الدولي. إذ لا يختلف اثنان على أنّ «الجيش الحر» قد اندثر، فيما باقي «الكتائب» غير موحّدة. وبالتالي، لا جود لأي قوّة يعوّل عليها لمواجهة النظام السوري سوى «النصرة». وقد باتت هذه الدول بحاجة ماسة إلى هذه القوة، وعليه تُريد تغييراً في شكل «النصرة» كي لا تكون محرجة. فهل «الجبهة» مستعدة لهذا التنازل الشكلي؟ ولا سيما أنه لا يمس خيارات جهادية ولا يفرض التخلي عن الفكر السلفي، إنما هو ارتباط تنظيمي لا ارتباط فكري، فضلاً عن أن بإمكان «النصرة» التأصيل لهذه الخطوة بالقول إنها مرحلية للوصول إلى «التمكين» لاحقاً، مثلما سبق أن أصّلت التعاون مع أنظمة تعتبرها كافرة كالسعودية وتركيا.
غير أن فك الارتباط هذا، إن حصل، قد يحمل انعكاسات على تماسك قيادة «النصرة» وعناصرها. إذ يمكن أن ترفض قيادات وعناصر لهذا التأصيل فيترتب عليه شق الصف. فما هو موقف الظواهري؟ وهل سيُعطيهم الشرعية؟ وما هو موقف الأميركيين والدول الغربية من «النصرة» إن أخذت مشروعيتها من الظواهري؟ وهل يترتب عن ذلك تركها من قيادات وعناصر والالتحاق بـ«الدولة» أو ولادة فصيل جديد؟ وهل سيخلق ذلك ازدواجية في تعاطي «القاعدة» مع الطرف الأميركي، فيكون حليفاً له في سوريا وعدوّاً في غيرها من الدول؟ ولا سيما أنّ الوقت الراهن يضعنا أمام طرفين: طرف عربي إقليمي بحاجة ماسة إلى «القاعدة»، في مقابل طرف جهادي يحتاج إلى احتضان دولي للتمكين على الساحة السورية.
لقد خرجت خلال الفترة الماضية معلومات عن شقاق داخل قيادة «النصرة»، وصراع بين مؤيدين ومعارضين لترك «القاعدة». وذُكر أنّ الجولاني يومها كان في صفّ الرافضين لفك الارتباط. غير أنّه خلال اليومين الماضيين، انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات التي تدور في فلك «القاعدة» بنقاشات بشأن فك الارتباط. وانقسم هؤلاء بين مؤيد ومعارض. فجرى تداول معلومات عن أنّ المسؤول العام لـ«النصرة» عمِل على «جمع تواقيع من المسؤولين في النصرة من أجل بتّ قرار فك الارتباط عن تنظيم القاعدة خلال الأيام المقبلة، أتى ذلك عقب اجتماع عقده (مجلس شورى) النصرة مع القاعدة في اليمن، أفضى إلى اتخاذ قرار فك الارتباط». غير أنّ ذلك لم يقطع نزاع الجهاديين. يترقّب هؤلاء موقفاً في هذه المسألة من زعيم القاعدة الظواهري. فيقول أحد الجهاديين العراقيين: «والله ما تركنا القاعدة أيام الفصل ما بين الجبهة والدولة حتى أتانا الرد من أميرنا أيمن الظواهري بمن يمثل القاعدة في الشام. ولن نتركها اليوم أو نفك ارتباطنا بها حتى نسمع ما يقوله أميرنا بهذه المسألة». جهاديٌ آخر اعتبر أن «طلب الدول الغربية من النصرة فك ارتباطها بالقاعدة فخ ومصيدة لهدر دم جنودها وتشويهها لدى باقي المجاهدين». ونقل ثالث محادثة نسبها إلى الجولاني منذ أشهر: «لو علمت أنهم سينصروننا إن فككناه لفعلتها في الصباح، لكنه باب للتنازل تلو التنازل لن ينتهي، ثم قال: لو فككنا الارتباط سيقولون لنا: تفضلوا على الرياض ثم تفضلوا على جنيف ثم يقولون أثبتوا لنا أنكم تركتم القاعدة وقاتلوها! ثم سل الذين ذهبوا في غياهب المؤتمرات والقمم من غير القاعدة هل حصلوا على شيء؟».
الظواهري يحرّض «النصرة»
تزامن اشتداد الحديث عن فك الارتباط مع خروج زعيم «القاعدة» الشيخ أيمن الظواهري في الحلقة الثالثة من سلسلة «احمل سلاح الشهيد»، لكنه لم يتطرق في الإصدار الصوتي إلى هذه المسألة. وردّت مصادر في «القاعدة» السبب لكون هذه الإصدارات قد جرت منذ أشهر. غير أن الظواهري في الكلمة التي خصّها للحديث عن مآثر القيادي في التنظيم الشيخ سالم مرجان الجوهري وقيادات أخرى قُتلوا في وقتٍ مضى، تطرق إلى الكلام عن «أسود الإسلام في شام الرباط المشرفين على بيت المقدس جنود جبهة النصرة الذين سعوا إلى تحرير الأسرى والأسيرات لدى الحكومة اللبنانية»، لافتاً إلى عملية تبادل الأسرى التي جرى تنفيذها خلال الأشهر الماضية. وشدّد الظواهري قائلاً: «أعيد تحريض إخواني في جبهة النصرة وسائر فروع القاعدة حتى يحرروا آخر أسير وأسيرة في سجون الصليبيين والمرتدين».