ليس من الغريب أن تتكوّن لدى الأميركيين فكرة مفادها أن دولتهم تسحب يدها من شؤون الشرق الأوسط، ولكن الجديد في الموضوع أنهم توصلوا إلى ما معناه أن هذه الخطوة دفعت السعودية إلى إعدام الشيخ نمر النمر، حتى تبعث برسالة إلى الإدارة الأميركية تُذكرها فيها بوجودها، بعدما أصبحت تشعر بالقلق من تبعات الاتفاق النووي عليها، وما سيفتحه من مجالات تطور أمام العلاقة الأميركية الإيرانية.
معادلة تطرّق إليها معظم المراقبين في الصحف الأميركية، خلال الأيام القليلة التي تلت إعدام الشيخ النمر. منهم من لمّح إلى التصرّفات الصبيانية السعودية الغاضبة، ومنهم من حاول إيجاد مبررات لسلوك السعودية، انطلاقاً من التجاهل الأميركي لها.
في تقرير في مجلة "فورين بوليسي"، رأى الكاتب كينيث بولاك أن "العائلة المالكة في السعودية خائفة من كل شيء، انطلاقاً من صعود إيران، وصولاً إلى انخفاض أسعار النفط، في الوقت الذي تطلب منها واشنطن الهدوء، الأمر الذي يجعلها أكثر غضباً".
بولاك عمل على تحليل الظروف الداخلية والخارجية التي أدت إلى ما وصفه بـ"التحول الدراماتيكي" للأداء السعودي. وفي محاولة لتعليل هذا التصرّف، الذي أتى ضحيته نمر النمر، أشار إلى أن المصالح السعودية "تتعلّق بشكل كبير بالخوف". وأوضح الكاتب أن "السعوديين عندما ينظرون إلى الشرق الأوسط من حولهم، يرون منطقة تخرج عن سيطرتهم"، موضحاً أنه "منذ عام 2011، شهد السعوديون على عدم الاستقرار في المنطقة، بوجود الشعب الذي يتظاهر بشكل متصاعد أو حتى يقوم بإسقاط حكامه... الأمر الذي يقلقهم، خصوصاً أن العائلة المالكة طالما فضلت الشعوب المنصاعة".
أما العنصر الآخر الذي يثير المخاوف لدى السعودية، فهو مرتبط بأسواق النفط، بحسب ما يوضح بولاك، ذلك أن السعودية لا يمكنها "إدارة هذه الأسواق كما كانت تفعل سابقاً". وقال: "من الواضح أن أسعار النفط المنخفضة تقتلهم"، مشيراً إلى أن "الأمر بات سيئاً إلى درجة أنهم أصبحوا يتطرّقون إلى التقشف الاقتصادي الحقيقي، بما في ذلك إلغاء الدعم عن البنزين، وأنواع أخرى من الوقود التي يعتبرها السعوديون جزءاً من حقوقهم كمواطنين". ولفت إلى أن "إلغاء الدعم وغيرها من الإجراءات التقشفية، تعتبر دائماً من الخطوات غير المحبذة شعبياً، وهي يمكن أن تؤدي بسهولة إلى احتجاج شعبي".
الكاتب حاول تبرير التصرفات السعودية بالقول إن "الحروب الأهلية في المنطقة جعلت السعوديين خائفين إلى درجة أنهم تدخلوا بطريقة غير مسبوقة في الأحداث"، وقال إنهم قد "ضخّوا عشرات، إذا لم يكن مئات ملايين الدولارات في سوريا واليمن ومبالغ في ليبيا والعراق". ولكنه لفت إلى أن "هذه الأثمان المتصاعدة والمتأتية من السياسة الخارجية، والمضاعفة مع انخفاض أرباح النفط، أجبرت السعوديين على سحب أموال من صندوقهم السيادي تراوح بين 12 و14 مليار دولار في الشهر، وهو إيقاع سيؤدي إلى اختفاء هذا الاحتياطي في أقل من 3 سنوات". وخلص إلى أنّ "من الممكن أن يؤدي إلى مشاكل سياسية داخلية كبيرة (بما فيها انشقاقات من ضمن العائلة الحاكمة)".
من منظار السعودية، فإن الولايات المتحدة قد أدارت ظهرها لحلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، وهو ما تطرّق إليه باتريك كلاوسن الذي كتب في "معهد واشنطن" يقول إن "إعدام السعودية نمر النمر، جاء لأسباب داخلية في المقام الأول، لكنه حمل أيضاً رسالةً قويةً مرتبطة بالسياسة الخارجية، مفادها أنه إذا لم تقف الولايات المتحدة في وجه إيران، فإن الرياض ستفعل ذلك بنفسها".
وفيما أشار إلى تراجع الإدارة الأميركية عن فرض عقوبات على إيران، رداً على التجارب الصاروخية، فقد أوضح أنه "في ظل هذه الظروف، ليس من المفاجئ أن تقرّر دول المنطقة أن تتصرف بمبادرة منها، وأن تختلف وجهة نظرها حول كيفية التصرف عن وجهة نظر واشنطن". وبحسب الكاتب فإن "التدخلات في البحرين واليمن أظهرت ميل السعوديين إلى رؤية يد إيرانية وراء التطورات، التي يعتقد المسؤولون الأميركيون أنها تطورات محلية بمعظمها".
صحيفة "نيويورك تايمز" سألت من جهتها: "هل تعتبر السعودية حليفاً خطيراً؟" وجاءت الردود متفاوتة من عدة باحثين وكتاب، ولكنها صبّت في إطار التأكيد أن التصرّف السعودي نابع من التجاهل الأميركي، أو تحوّل واشنطن عنها. الباحثة الأميركية ــ الإيرانية هالة إسفندياري، المديرة الفخرية والمتخصصة في السياسة العامة لبرنامج الشرق الأوسط في معهد "وودرو ويلسون"، كتبت للصحيفة تشير إلى أن "السعودية لم تعد حليفاً يمكن الاعتماد عليه". وفيما عددت بعض "المصالح المشتركة بين السعودية والولايات المتحدة"، إلا أنها اعتبرت أن "إعدام نمر النمر الذي لم يشكل تهديداً للمملكة، عُدّ إساءة إلى الإيرانيين، كذلك أدى إلى تهديد الجهود الدولية لحل الخلافات في سوريا واليمن".
كذلك، كتب علي الأحمد، الخبير في الشؤون السياسية السعودية والخليجية في "معهد الشؤون الخليجية في واشنطن"، لـ"نيويورك تايمز"، وقال إن "السعودية حِمْلٌ على الولايات المتحدة وليست صديقاً". ورأى الكاتب أن "السعودية لعبت دوراً في الإسهام في المصالح الأميركية، مثل محاربة الشيوعية، وأيضاً الجهاد في أفغانستان، الذي أدى إلى إسقاط النظام العلماني المدعوم من الاتحاد السوفياتي...". لكنه أضاف أنه "خلال السنوات الأخيرة، تحوّل السعوديون إلى حمل على أميركا، في ظل السلوك الخاطئ وأحياناً الغضب الطفولي، بالطلب من واشنطن التدخل لأجلهم في سوريا والعراق ومصر". وأشار الكاتب إلى أنه "بينما تلعب السعودية خدمة ظاهرية للحرب على الإرهاب، إلا أنها تكمل في تبني الفكر الإرهابي، وأيضاً المنظمات التي تهدد الأمن الأميركي والمصالح في الشرق الأوسط".
دنيس روس من جهته، قال لـ"نيويورك تايمز" إن "السعودية والولايات المتحدة كانا شريكين وليسا حليفين". لكنه لفت إلى أن "النأي عن السعودية في هذه اللحظة الحساسة يثير المزيد من الأسئلة من شركاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط، وربما يضلّل الإيرانيين، فيفكرون أن أميركا لن تحاسبهم أبداً على الاتفاق النووي أو سلوكهم الإقليمي". ورأى روس أن "السعوديين قاموا برسم خطوط حمراء لإيران بأنفسهم، لأنهم يشكون في أن تفعل الولايات المتحدة ذلك لأسباب مفهومة، حيث إن إدارة أوباما لا ترغب في تفاقم الصراعي السني الشيعي في المنطقة".