في وقتٍ تنتظر فيه السعودية، التي أصرّت على تأجيل انطلاق المفاوضات الخاصة باليمن، تغييرات جذرية في المشهد اليمني تخوّلها الانتقال غير مطأطأة الرأس إلى أي حوارٍ سياسي في المستقبل، يمضي الميدان اليمني في تخييب آمالها وتطلعاتها حتى الساعة. تقدمٌ كبير في عدن أحرزه الجيش و«اللجان الشعبية» يوم أمس، رافقه اقتراب من السيطرة على مدينة مأرب، مركز إحدى المحافظتين الوحيدتين اللتين عصيتا عليهما حتى اليوم (مأرب وحضرموت).
وفيما تؤكد المعطيات الميدانية أن السيطرة على مأرب، أولى المحافظات التي عملت الرياض على فتح معسكرات لتنظيم «القاعدة» فيها قبل بدء العدوان مباشرةً، باتت «مسألة ساعاتٍ فقط»، تتواصل الجهود الدولية باتجاه إطلاق عمليةٍ سياسية في اليمن، كان آخرها إعلان جديد لموسكو عن دعمها مساعي الأمم المتحدة لتنظيم مؤتمر دولي حول هذا البلد في وقتٍ قريب. وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، عن ضرورة الإسراع في إطلاق محادثات بهذا الشأن. وقال غاتيلوف، في حديث إلى وكالة «ريا نوفوستي» الرسمية، إن «روسيا ترى أن الحاجة ملحة لعقد مؤتمر دولي حول اليمن في جنيف، وفي أقرب وقت ممكن». وأسف المسؤول الروسي لإلغاء المؤتمر الذي كان من المفترض أن يبدأ يوم أمس، من دون تحديد موعد جديد حتى الآن.
واشنطن: لا تراجع عن
دعم حكومة هادي ودعم المبادرة الخليجية

في المقابل، تتمسك واشنطن بمواقفها من الأزمة اليمنية، إذ جددت يوم أمس دعمها لحكومة الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي. وخلال لقائها بهادي في الرياض، أكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى آن باترسون، "مواقف بلادها التي لا تراجع عنها في دعم المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني ومؤتمر الرياض"، معتبرة ذلك "المخرج الآمن لليمن من وضعه الراهن". وتركّز البحث أثناء اللقاء على «المستجدات على أرض الواقع وما تمر به بعض المحافظات اليمنية من أعمال عنف».
في السياق، تقدمت أحزاب «ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻛﻲ ﺍﻟﻴﻤني» ﻭ«ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻮﺣﺪﻭﻱ ﺍﻟﺸﻌﺒﻲ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮﻱ» ﻭ«ﺍﻟﺘﺠﻤﻊ ﺍﻟﻮﺣﺪﻭﻱ» ﻭ«ﺍﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ» ﻭ«ﺍﻟﺘﺠﻤﻊ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻤﻨﺎﺿﻠﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ» بمبادرةٍ جديدة ﻹﻳﻘﺎﻑ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺗﺒﻌﺎﺗﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. وتنصّ المبادرة التي سبقتها مبادرة أخرى للاشتراكي اليمني على «انسحاب الميليشيات والقوات العسكرية والأمنية من كل المحافظات، وفي مقدمتها صنعاء وعدن. وتضمنت «ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻧﻮﺍﺓ ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻷﻣﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺒﺎﻁ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﻴﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻠﻮﺛﻴﻦ ﺑﺎﻟﻔﺴﺎﺩ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺘﻮﺭﻃﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ، ﺗﺘﻮﻟﻰ ﺍﻟﻤﻬﺎﻡ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ». وفي بنودها السياسية، نصت المبادرة على ﻋﻮﺩﺓ «ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﻜﻔﺎﺀﺍﺕ» (برئاسة خالد بحاح) ﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻣﻬﺎﻣﻬﺎ ﻭﺻﻼﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍﻷﻣﻦ، وﺍﺳﺘﺌﻨﺎﻑ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺩﻩ ﺍﻟﻤﺒﻌﻮﺙ ﺍلدولي، ﻭﺑﺤﻀﻮﺭ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺑﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﺼﺎﺋﻞ ﻭﺃﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﺤﺮﺍﻙ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ، إضافة إلى الشروع في معالجة القضية الجنوبية، واعتماد ﺍﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻭﻃﻨﻴﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺗﻘﻮﺩﻫﺎ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، وﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﺍﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻭﻃﻨﻴﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻤﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻻﺭﻫﺎب ﻭﺗﺠﻔﻴﻒ ﻣﻨﺎﺑﻌﻪ، ﻭﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺤﺎﺿﻨﺔ ﻟﻪ، على أن يجري تشكيل «ﻟﺠﻨﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻣﻨﻴﺔ ‏(ﻋﺮﺑﻴﺔ /ﻳﻤﻨﻴﺔ) مشكّلة من دول عربية محايدة ﻭﺷﺨﺼﻴﺎﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﻃﻨﻴﺔ» تتولى الإشراف ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﺍﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻮﻗﻒ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ العسكرية وإجراءات الانسحاب من المدن، وذلك تحت إﺷﺮﺍﻑ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻭﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻦ ﻭﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ الخليجي.
على المستوى الميداني، أحرز الجيش و«اللجان الشعبية» تقدماً كبيراً في مأرب، حيث تمكن يوم أمس من السيطرة على المداخل الجنوبية والغربية للمدينة، بعد فرار عناصر تنظيم «القاعدة» من السلسلة الجبلية المطلة عليها، تاركين خلفهم آلياتهم العسكرية. وأكدت مصادر عسكرية أن الجيش و«اللجان» ماضون حتى تطهير كامل أحياء المدينة، حيث تذهب التوقعات باتجاه إمكانية حسم المعركة خلال الساعات المقبلة والسيطرة على مدينة مأرب، مركز المحافظة. ودارت في اليومين الماضيين مواجهات عنيفة مع المجموعات المسلحة وعناصر «القاعدة» في حي القصر الجمهوري وحي مستشفى مأرب العام.‏ وفيما يؤكد مصدر محلي لـ«الأخبار» (علي جاحز) أن الجيش و«اللجان الشعبية» باتوا قاب قوسين أو أدنى من القصر الرئاسي في المدينة، بحيث لا يفصلهم عنه سوى نصف كيلومتر في ظل استمرار الضرب بالمدافع، يقول إن عناصر «القاعدة» بدأوا بنقل الاسلحة والمعدات العسكرية بعد اقتراب الجيش. وقال المصدر في «الإعلام الحربي» التابع للجيش اليمني و«اللجان الشعبية» إن طائرات العدوان السعودي شنّت غارات متتالية على المواقع المحررة، في محاولةٍ منها لتخفيف ‏الضغط عن العناصر التكفيريين الذين تجري ملاحقتهم.
وحقق الجيش و«اللجان» تقدّماً في عدن على عددٍ من الجبهات في منطقة دار سعد والبريقة (شمال عدن)، بعد سيطرتهم على بئر أحمد بالكامل أول من أمس. كذلك أحرزوا تقدماً باتجاه حي الشيخ عثمان وفي الشرق باتجاه حيي المندارة والدرين، وهي أحياء في شمال المدينة تسيطر عليها المجموعات المسلحة الموالية للرئيس الفار عبد ربه منصور هادي. وشهدت عدن يوم أمس قصفاً عنيفاً، استهدف مناطق خور مكسر وكريتر والمعلا والتواهي والمعاشيق.
ولا تزال المواجهات العسكرية بين القوات اليمنية والقوات السعودية على الحدود مستمرة، وتمكن الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» من قصف موقع وعوع ومعسكر الشحبة في نجران. مصادر في «الاعلام الحربي» أكدت مصرع ضابطين سعوديين وعدد من الجنود جراء القصف المكثف الذي شنّه اليمنيون على المعسكر، إضافة إلى إحراق دبابتين سعوديتين وطاقم عسكري داخل موقع الشبحة السعودي. وفي جبهة جيزان، قال المصدر إن التقدم مستمر في العمق السعودي. وبعد السيطرة على موقع تويلق والأم بي سي، قصفت القوات اليمنية موقع الرديف العسكري السعودي بالصواريخ والمدفعية.
إلى ذلك، تواصلت الغارات الجوية على المحافظات اليمنية، خصوصاً على صعدة التي شهدت قصفاً مكثفاً يوم أمس.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول، رويترز)