كشفت القرارات الحكومية المتعلقة برفع أسعار المحروقات (16 حزيران 2016) عن جهل دستوري يعاني منه السوريون حيال الحقوق والواجبات. حكومة الحلقي السيّئة الصيت في الشارع، تصرّفت بعكس مبدأ «يا رايح كتر ملايح»، في خطوة وصفت بكونها إحراجاً للحكومة اللاحقة، مستغلة اللغط الدستوري حول مشروعية قراراتها. بينما رأى البعض أنها تمثيلية يراد منها تبييض صفحة الحكومة الجديدة، فيما إذا تراجعت عن هذه القرارات. وعلى الرغم من الشائعات التي تشير إلى احتمال التراجع عن القرارات «الجائرة» إما من حكومة تصريف الأعمال، أو تلك التي يجري تشكيلها حالياً، غير أن لا بوادر تقود إلى مثل هذا التراجع، وذلك على الرغم من جهود رجال القانون في تفنيد مزاعم الحكومة بمشروعية قراراتها، تحت مبرر الحرب القائمة. ووفق الفقرة الثانية من «المادة 13» في الدستور السوري لعام 2012، تهدف السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة إلى «تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع والأفراد عبر تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، للوصول إلى التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة». وينص الدستور في «المادة 40» ـ الفقرة الثانية، على أن «لكل عامل أجراً عادلاً حسب نوعية العمل ومروده، على أن لا يقل عن الحد الأدنى للأجور، الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيرها».إذاً، فالقرارات الحكومية تُعَدّ باطلة وفق الدستور، إضافة إلى كونها خارج صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، الأمر الذي دعا عدداً من النواب، خلال الجلسات السرية والعلنية، إلى رفع الصوت للمطالبة بالتراجع عن هذه القرارات، استناداً إلى دراسات قانونية لأساتذة مخضرمين، من بينهم عصام التكروري وَسام دلة. وراوحت مداخلات النواب داخل قبة البرلمان، ما بين متسائل عن مقدار فشل الحكومة في تأمين دخل إضافي لميزانية الدولة بعيداً عن جيوب الشعب المنهك، وبين متحفظٍ على الأسلوب المعتاد في اتخاذ قرارات دون مبررات واضحة ومنطقية. نواب آخرون علّقوا على النهج الحكومي القائم على مبدأ «عقلنة الدعم» بلا بدائل تعتمد تعويض المواطن، على اعتبار أن هذا المبدأ يودي بالشعب إلى رفع الدعم عنه بشكل كامل، وهو ما يحدث فعلياً. ومنذ أولى جلسات مناقشة القرارات الحكومية، أدلى 26 نائباً بمداخلات منفردة، وطعن 25 منهم بمشروعية قرار وزارة التجارة الداخلية، وفيما قدّم النواب سمير حجار ونبيل صالح وفارس الشهابي، طلباً بالتصويت على توصية بطيّ القرار. وعلى الرغم من الذرائع التي ساقها رجال قانون من صف الحكومة، والتي تنص على أن «الضرورات تبيح المحظورات إن كانت البلاد تشهد حالة حرب»، غير أن القرارات بقيت مثار جدل واسع، إذ استُخدم هذا المبدأ «ضد مصلحة الشعب». وتبرز خطورة القرارات بعدما زاد بند فروقات الأسعار بحسب الأرقام التقديرية في موازنة 2016، بنحو 190% عن أرقام عام 2015، بسبب سياسية تحرير الدعم الجزئي ورفع أسعار المشتقات النفطية، التي أُخذت من جيوب الفقراء المستحقين الحقيقيين للدعم، بالنسبة نفسها التي أُخذت من الميسورين غير المستحقين له بالمعنى الاقتصادي.

استعادة سلطة القضاء هي الحل

وفي دراسة قانونية موسعة تدحض المزاعم الحكومية، قدمها الدكتور عصام التكروري لمركز الأبحاث «مداد»، فإن «الحكومة مسؤولة أمام مجلس الشعب الذي يحق له محاسبتها وصولاً إلى حجب الثقة عن الوزراء بشكل جماعي أو إفرادي، ما قد يفضي في نهاية المطاف إلى تراجع الحكومة عن قرارها تحت طائلة حجب الثقة». وتضيف الدراسة أنه «في حال كونها حكومة تسيير أعمال لأحد الأسباب الواردة في المادة 125 من الدستور، فإنها تصبح خارج نطاق رقابة السلطة التشريعية لجهة مسؤوليتها السياسية. وهذا يعني واجبها في عدم إصدار قرارات تستدعي رقابة مجلس الشعب، أي يجب أن تكون قراراتها ضامنة لتصريف الأعمال الإدارية، دون أن تتعداها إلى الأعمال التصرفية». وفي حديث لـ«الأخبار» يُذكّر التكروري أنه «لا بد أن يقوم القضاء الإداري بدوره في الرقابة على قرارات حكومة تصريف الأعمال، وصولاً إلى إلغاء القرارات الموسومة بعدم المشروعية».
وعن مدى صلاحية نظرية الظروف الاستثنائية كمبرر إصدار الحكومة قرارات «تصرفية» كقرار رفع الأسعار، أوضح التكروري أن «الفقه المستقر في أغلب دول العالم ذهب إلى القبول بالأعمال التصرفية الصادرة عن حكومة تصريف الأعمال، في حال صدورها عنها في ظروف استثنائية تتعلق بالنظام العام وأمن الدولة الداخلي والخارجي، أو إذا كانت من الأعمال التي يتحتم القيام بها في مهل محددة تحت طائلة السقوط والإبطال، وذلك استناداً إلى مبدأ (الضرورات تبيح المحظورات). وذلك مع إخضاع هذه القرارات إلى رقابة القضاء الإداري التي تبدو ملحّة في ظل استحالة الرقابة البرلمانية وغياب مؤيداتها». ويفنّد التكروري شرطين لمشروعية القرارات الحكومية وفق المبدأ المزعوم، بحسب مفهوم تصريف الأعمال الذي وضعه مجلس شورى الدولة، في قرار أصدره في 17 تشرين الثاني 1969.
والشرطان هما: «وجود تهديد أو خطر مباشر ومحدق وجسيم، داخلي أو خارجي، يتعلق بوجود الدولة وسلامة شعبها أو اقتصادها أو انتظام سير مرافقها، إضافة إلى استحالة مواجهة هذا الخطر أو التهديد بالوسائل الدستوري العادية». ولا ينكر توافر هذين الشرطين في ظل الحرب القائمة على البلاد، إنما «ليس لتبرير إصدار قرارات رفع أسعار سلع أساسية، بل لاتخاذ قرارات تذهب بالاتجاه المعاكس تماماً لما ذهب إليه القرار الصادر برفع أسعار المحروقات». وعن آلية التصدي لقرار الحكومة يقترح التكروري طلب الرأي الاستشاري لمجلس الدولة في طبيعة القرار الصادر عن الحكومة، وما إذا كان إصداره يدخل في مفهوم تصريف الأعمال العادية أو التصرفية. وفي حال خروجه عن الأعمال العادية، يصبح موسوماً بعدم المشروعية، وعليه يمكن أن يكون القرار موضوع دعوى ترفع أصولاً أمام مجلس الدولة بهدف إبطال القرار. كذلك يقدم التكروري مقترحاً بطلب رأي استشاري من لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب حول حقيقة انتهاك القرار، الدستور السوري، في ما يخص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والصلاحيات الدستورية لمجلس الشعب في ممارسة الرقابة على الحكومة، عملاً بأحكام «المادة 74» وما تلاها من الدستور النافذ، وصولاً إلى استصدار بيان يدعو الحكومة إلى التزام مبدأ المشروعية وطيّ قرارها المتعلق برفع أسعار المحروقات.