برغم السمة الاستراتيجية التي تتمتع بها مشاريع إنشاء محطات تحلية مياه البحر في غزة بالنسبة إلى المؤسسات المتخصصة في مجال المياه، فإن ما رأى النور حتى اليوم هو محطة وحيدة ستبدأ العمل في غضون أسابيع، وتقع في مدينة دير البلح وسط القطاع. المحطة ستعمل بطاقة إنتاجية لا تتجاوز ستة آلاف متر مكعب يومياً، على أن يستفيد منها 17 ألف مواطن فقط، من أصل مليوني إنسان.وأخيراً، أعلنت سلطة المياه الفلسطينية البدء في تطوير المرحلة الثانية في محطة تحلية دير البلح، وذلك لمضاعفة القدرة الإنتاجية في المحطة حتى تصل إلى 12 ألف متر مكعب يومياً، أي الضعف، بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
ووفق ما أكدته سلطة المياه، تتضمن الخطة الاستراتيجية إنشاء عدد مناسب من محطات التحلية على امتداد مساحة القطاع، لتوفر هذه المحطات ما يحتاجه الغزيون من مياه بصورة شبه كلية.
يشرح نائب رئيس سلطة المياه في حكومة الوفاق، ربحي الشيخ، أنه «قُسمت خطة العمل إلى مرحلتين: الأولى قصيرة المدى وتتضمن إنشاء ثلاث محطات تحلية صغيرة الحجم، في شمال القطاع وستنتج 10 آلاف متر مكعب يومياً، وفي وسطه وتنتج حالياً ستة آلاف، وجنوبه وستنتج عشرين ألفاً... ستنتج هذه المحطات مجتمعة ما مجموعه 13 مليون متر مكعب سنوياً».
أمّا المرحلة الثانية، فهي كما قال الشيخ، «مرحلة استراتيجية بعيدة المدى يجري الإعداد فيها لمشروع محطة التحلية المركزية لكل سكان غزة، وستنتج هذه المحطة 55 مليون متر مكعب سنوياً... سننجز وثائق العطاء ثم يجري التحضير لمؤتمر المانحين لتوفير قرابة نصف مليار دولار لبدء العمل في المشروع فعلياً».
باتت الدول المانحة مترددة في الدعم بسبب مشكلة الكهرباء والحرب

ومن وجهة نظر بيئية، إن التوجه إلى إنشاء محطات تحلية المياه الجوفية أفضل الحلول الممكنة للخروج من أزمة مياه الشرب، كما أكد رئيس "دائرة التوعية البيئية" في "سلطة جودة البيئة"، أحمد حلس، الذي قال إن "سبعة عشر ألف بيت كانت تبنى سنوياً على مدار عشر سنوات جعلت من غزة كتلة خرسانية لا تسمح إلا لـ60 مليون متر مكعب من المياه للنفوذ إلى الخزان الجوفي من أصل 120 مليون متر مكعب هي معدل الأمطار السنوي"، مضيفاً أن "سكان غزة الذين يزداد نموهم بنسبة تزيد على 45% (60 ألف إنسان سنوياً) يستهلكون 220 مليون متر مكعب من المياه، ما يعني أن الخزان الجوفي يحتاج إلى عشرات السنين كي يتعافى".
ويضيف حلس أن «بناء محطات التحلية هو أفضل الحلول المطروحة للمحافظة على الخزان الجوفي، ومن الناحية الاقتصادية هذه المياه أوفر وأكثر صحية للمواطن من مياه محطات التحلية التجارية التي لا تتوافق ومعايير الجودة». وبالنسبة إلى سكان القطاع، الحديث عن جودة المياه التي ستنتجها المحطات أكثر الأمور المبشرة، لأن الخزان الجوفي يعاني ارتفاع نسبة الملوحة، ما يجعل 97% من مياهه غير صالحة للاستخدام الآدمي.
بالعودة إلى مياه محطات التحلية المرتقبة، تؤكد سلطة المياه أن خلط المياه المنتجة من محطات التحلية مع نسبة معينة من مياه الخزان الجوفي أظهرت نتائج إيجابية لجهة جودة المياه، بل توافق هذه المياه المعايير الفلسطينية والدولية.
وبرغم توافق خبراء المياه على نجاعة هذه المشاريع، فإن هناك عدداً كبيراً من العقبات تعترض تحويلها إلى واقع. وتظهر مشكلة التمويل، ثم مماطلة الاحتلال الإسرائيلي المستمرة في إدخال المعدات اللازمة. لكن مشكلة توفير الكهرباء لتشغيل هذه المحطات على نحو مستمر، هي أهم المعوّقات التي تحتاج إلى وضع حلول مسبقة، في ظل أزمة الكهرباء القائمة من عشر سنوات تقريباً.
في هذا السياق، تؤكد "سلطة المياه" أن مشكلة توفير الطاقة اللازمة لمحطات التحلية تجعل الدول المانحة مترددة في تقديم الدعم اللازم للمباشرة في العمل، لأنّ من المعروف أن محطات التحلية تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة، فيما يبدو عجز شركة الكهرباء واضحاً عن توفير الطاقة حتى لثماني ساعات يومياً بصورة متواصلة لمنازل المواطنين، فكيف لها أن توفر كل هذه الكميات من الكهرباء لمشاريع التحلية على مدار الساعة؟
ومع أن الدراسة النظرية لمشروع محطة التحلية الاستراتيجية يتضمن توفير بدائل طبيعية للطاقة، كالخلايا الشمسية والرياح، فرهان المشروع الأساسي متوقف على زيادة الطاقة الإنتاجية لمحطة توليد الكهرباء إلى 140 ميغا واط، لأن تحويلها للعمل بالغاز الطبيعي رخيص الثمن نسبياً بدلاً من المازوت الصناعي، فهل ستحل المشكلة أم يبقى الغزيون يشربون الماء الجوفي المخلوط بمياه البحر؟