تقترب القوات العراقية من إعلان تطهير كامل أحياء الفلوجة، بعدما أعلنت تحرير مركزها وأهم مناطقها، في ضربة هي الأقسى لتنظيم «داعش»، منذ وجوده في العراق في عام 2014.يوم أمس، صرّح قائد عمليات تحرير الفلوجة عبد الوهاب الساعدي، بأن تحرير المركز يعني انتهاء المهمة عسكرياً، موضحاً أن «ما يجري في هذا الوقت هو تطهير باقي الأحياء والأزقّة، على أن يتم الانتهاء تماماً في غضون أيام».
الساعدي، الذي تحدث خلال لقاء تلفزيوني من الفلوجة، أكد ما كان قد أعلنه رئيس الحكومة حيدر العبادي، الجمعة، عن «تحرير الفلوجة»، لكنه لمّح إلى استمرار العمليات في المحور الغربي للمدينة. وأشار إلى أن «رئيس الوزراء حيدر العبادي لم يتسرّع بإعلان تحرير مدينة الفلوجة، فعندما نصل إلى المركز تكون المعركة قد حُسمت عسكرياً». وأوضح أنه «تمّ تحرير ما يقارب 80% من مدينة الفلوجة، وبقيت بعض الأحياء وأهمها حي الجولان (غرب الفلوجة)».
ومن المتوقع أن يُعلَن، في الأيام المقبلة، انتهاء العمليات العسكرية في الفلوجة، التي بدأت في الثالث والعشرين من الشهر الماضي، وهي خطوة إذا ما حصلت ستعني أن «داعش» خسر أهم معاقله في العراق، وأقدمها. وقال عضو مجلس محافظة الأنبار يحيى غازي إن «العمليات العسكرية شبه منتهية في الفلوجة، والاستعدادت جارية لمسك الأرض خلال الأيام المقبلة». وأشار في حديث لـ«الأخبار» إلى أن «إعادة النازحين تتطلب تأمين المنطقة من العبوات والألغام».
هذه الخسارة الكبيرة بالنسبة إلى التنظيم الإرهابي، ستعود بكثير من النتائج على الوضع الميداني، لكن الأهم أنها ستُسهم في الاطمئنان إلى عدم عودة الاضطرابات في المناطق التي جرى تحريرها، وهي إما متاخمة للفلوجة أو ترتبط معها بطرق صحراوية، كان يسلكها التنظيم لشنّ هجمات متفرّقة على القوات العراقية، وأيضاً لفتح جبهات متعددة في أكثر من منطقة.
قيمة الفلوجة اعتبارية أكثر من كونها استراتيجية

وتقول التقديرات إن خسارة «داعش» في الفلوجة تعني تأميناً كاملاً ونهائياً لغالبية المناطق المحيطة بهذه المدينة، سواء المتعلقة بالطريق الرابطة بمحافظة صلاح الدين، ومنها إلى الموصل، أو بالطريق الرابطة بمدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، ومنها إلى أقصى غرب العراق، خصوصاً على الحدود مع سوريا، حيث تشير التقارير الأمنية إلى استخدام «داعش» لطرق خاصة للتنقل من الفلوجة وإليها.
وبهذا الصدد، يقول الخبير الاستيراتيجي وفيق السامرائي، إن «معركة الفلوجة هي من أهم المعارك ضد داعش، لقربها من بغداد وموقعها بالنسبة إلى التنظيم، ومكانتها». ويضيف لـ«الأخبار» أن «تحرير الفلوجة كسر داعش وأحرج داعميه في المنطقة»، مؤكداً أن «المناورة بين القطعات الأمنية والحشد في عملية الفلوجة نجحت بالكامل». وأوضح السامرائي أن «المناورة في عملية تحرير الفلوجة جرت على الخطوط الداخلة، أي إنها تبدأ من مناطق متفرّقة عن المحيط وتلتقي في نقطة مركزية»، مضيفاً أن «سياسة العزل والتطويق قد نجحت».
مع ذلك، يؤخذ على معركة الفلوجة أنها ستعود بنتائج معنوية على مستقبل تنظيم «داعش» في العراق، أكثر من كونها ستحقق نتائج عسكرية. ويبرّر ذلك الكاتب المتخصص بملف «داعش» عمر الشاهر، الذي يشير إلى «الطوق المفروض على الفلوجة، الذي أسهم في أن يجعل تأثير المدينة ميدانياً وعسكرياً محدوداً». ويقول الشاهر لـ«الأخبار» إنه «لا أهمية للفلوجة في قضية أمن بقية المحافظات، والتأثير بشبكة الطرق، لأنها معزولة منذ عامين، ولا تؤثر كثيراً في محيطها».
ويضيف أن «قيمة الفلوجة اعتبارية أكثر من كونها استراتيجية، ذلك أنه باستثناء الطريق بين بغداد والرمادي، ليس لها أي تأثير في الطرق»، موضحاً في هذا المجال أنه «حتى مع تعطل الجزء الموازي لها من الطريق الدولي، ظهر للواجهة جسر بزيبز وأعاد ربط الرمادي ببغداد».
وعن تأثير تحرير الفلوجة على وجود «داعش»، سواء في العراق أو في المنطقة، يشدد الشاهر على أن «الفلوجة هي أهم رقعة في أرض التمكين لدى داعش، فخسارتها حتماً زعزعت ثقة عناصر التنظيم في كل مكان». ويشير إلى أنه «من الناحية العملية، فإن انعزالها القديم عن المحيط أخرجها من حسابات الأمن الجغرافي، لكن المقاتل العراقي أيضاً اكتسب ثقة وتجربة كبيرتين جداً، ومن يدخل في عقر دار داعش في الفلوجة، سيصل إلى أي مكان، فداعش كان يحصّن مواضعه في الفلوجة منذ عامين. ولكنه لم يصمد إلا أسبوعين». ويلفت إلى أن «مناطق الفلوجة أصبحت كلّها تقريباً بحكم المحرّرة، وبقي القليل من أحياء الجغيفي والعسكري في الشمال الغربي».
وفي هذا السياق، وصف مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي معركة تحرير الفلوجة بـ«التحول المفصلي والنصر الاستراتيجي» في مسار الحرب على «داعش». وقال المتحدث باسم المكتب الإعلامي سعد الحديثي: «ها هو النصر الاستراتيجي يتحقق، وأي نصر، إنه نصر الفلوجة بكل ما تحمله هذه المدينة من رمزية كبيرة ومكانة اعتبارية، لكونها أولى المدن التي احتلها داعش الإرهابي، وهي المدينة الأقرب إلى بغداد من بين المدن التي وقعت تحت سيطرة الإرهاب».