فتح تعيين السياسي وعضو مخابرات الثورة التحريرية سابقاً، بوعلام بسايح، في منصب وزير دولة بالحكومة الجزائرية، خلال التعديل الوزاري الأخير، النقاش من جديد حول استمرار تولي الشخصيات التاريخية لمناصب المسؤولية الحساسة في الدولة، في الوقت الذي يتحدث فيه الخطاب الرسمي في كل مناسبة عن تسليم المشعل للشباب.وأبدى منتقدو التعديل الوزاري عدة ملاحظات على تعيين وزير يبلغ من العمر 86 سنة في بلد تصل نسبة الشباب فيه إلى 75 بالمئة من مجموع السكان، وعدّوا ذلك تنصلاً من وعود الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يشدّد في كل مرة على ضرورة تسليم المشعل للشباب، كذلك انتشرت صور تقارن الوزير الجديد الطاعن في السن مع باقي وزراء العالم الشباب، حيث وضعت صورة بوعلام بسايح إلى جانب صورة الوزير الأول الكندي، ووزير الخارجية النمسوي، وباقي الوزراء الذين بالكاد تجاوز عمرهم الثلاثين.
وكان التفاعل غزيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، فكتبت خديجة بن قنة الإعلامية الجزائرية المقيمة في قطر، تعليقاً ساخراً على صفحتها على "فايسبوك"، تقول فيه: "ها هو الشاب بوعلام بسايح الذي سيطفئ شمعته التسعين بعد بضع سنين يتولى منصب وزير في التعديل الحكومي". بيد أن تعليقات أخرى، اعترضت على موجة السخرية التي نالت من الرجل، ووصفوا أصحابها بالجاهلين لتاريخ الرجل. وكتب النائب السابق عن "جبهة التحرير الوطني"، إبراهيم قار، على صفحته قائلاً: "لقد اتضح من هؤلاء أنهم أجهل الجاهلين بالثقافة وبالفكر وبالأدب، ولذلك فإنني أتحدى أن يكون من هؤلاء المتثيقفين من قرأ صفحة واحدة ووحيدة من الكتب التي نشرها الدكتور بوعلام بسايح".
جدل آخر أعيد إحياؤه على هامش هذه القضية، بنشر إحدى الصفحات على "فايسبوك"، تعليقاً ضم جملة شهيرة من إحدى خطب الرئيس بوتفليقة، جاء فيها: "بوعلام بسايح شاب جزائري 86 سنة فقط.. عين اليوم كوزير للدولة ومستشار خاص لرئيس الجمهورية، قال جيلي طاب جنانو قال!؟". جدير بالذكر، أنّ الرئيس بوتفليقة كان في آخر تجمّع شعبي له في أيار/مايو 2012، قبل أن يصيبه المرض، قد تعهد بتسليم المشعل للشباب، وردد عبارة شهيرة احتفظت بها ذاكرة الصحافة، قائلاً: "جيلي طاب جنانو وعاش من عرف قدره"، يعني بها أن عهد جيل الثورة التحريرية الذي لا يزال يحكم الجزائر قد انتهى.
وقد فهم ذلك الخطاب وقتها على أنه رسالة من الرئيس بوتفليقة إلى الجزائريين، بأنه لن يترشح لولاية رابعة، إلا أنه خالف كل التوقعات وأعلن ترشحه لرئاسيات 2014 وفاز بها. ورغم الخطاب الذي يدعو في الظاهر إلى وضع الثقة في الشباب لتولي مراكز المسؤولية، إلا أنّ جل المناصب الحساسة اليوم بيد مسؤولين متقدمين في السن، على غرار رئيسي الغرفة العليا والسفلى للبرلمان، وقائد أركان الجيش.
وتطالب في الجزائر أحزاب ومنظمات في المجتمع المدني، بالانتهاء مما يسمونه "الشرعية الثورية" التي تعطي الأولوية دائماً في المناصب العليا للدولة، لمن شارك في الثورة الجزائرية سنة 1954. وباتت الدعوة التي أطلقها حزب "التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية"، بإحالة "جبهة التحرير الوطني" على المتحف، واعتباره إرثاً لكل الجزائريين لا يجوز احتكاره من فئة معينة، تلقى شيئاً فشيئاً صدى عند بقية الأحزاب.

"النظام يرفض أن يتغير"

في اعتقاد الناشط السياسي والمؤرخ، محند أرزقي فراد، فإن تعيين وزير شارف على التسعين من عمره دليل واضح على غياب مشروع للشباب في النظام القائم، لأن السلطة في الجزائر شأنها شأن كل ما يجري في الدول غير الديموقراطية لا تؤمن بالشباب كقوة للتغيير، وتسعى دائماً لتكريس مصالحها الضيقة بالإبقاء على من يستطيعون خدمة النظام في مراكز المسؤولية.
ويوضح فراد في تصريح لـ"الأخبار"، أن عبارة الرئيس بوتفليقة التي استعملها في آخر خطاب شعبي له سنة 2012، كانت للاستهلاك فقط، لأنه حتى وإن كان هو يريد الذهاب فإن فلسفة النظام القائم لا تزال قائمة على مفهوم الشرعية الثورية التي تعني في الحقيقة قتل أي أمل في التغيير وإبقاء الوضع على ما هو عليه.
ويشير فراد إلى أن الرئيس بوتفليقة منذ ذلك الخطاب، فقد المبادرة بسبب المرض، ولا يستبعد أن تكون كل القرارات التي اتخذت منذ تلك الفترة تمت باسمه أو بالتأثير فيه من نفس النظام الذي يرفض أن يتغير.