زيارة الساحل السوري لا توحي بأن شيئاً تغيّر على المستوى الأمني بعد التفجيرات الأخيرة التي استهدفت مدينتي جبلة وطرطوس، إذ يمكن المرور كالمعتاد على الحواجز المتتالية. وحده، الحاجز على مدخل اللاذقية يدقق على نحو أكبر بالسيارات الداخلة إلى المدينة، مع ملاحظة عناصر من الشرطة العسكرية يراقبون سير التفتيش. كل ذلك لم يرهب أصحاب السيارات الذين يحتالون على القانون بتمويه الرؤية داخل سياراتهم عبر الـ«فيميه». سطوة خاصة يشعر بها بعض أبناء المدينة، ممن لديهم صفة عسكرية أو قتالية، أو نفوذ لدى جهة ما، عندما يستخدمون الـ«فيميه» لعزل أنفسهم عن المواطنين «العاديين»، منتشين بالسلطة على البسطاء. «عنجهية» هؤلاء، لطالما اتُّهم بها جميع أبناء الساحل دون تمييز، باعتبارهم يقطنون مسقط رأس الرئيس. غير أن الامتيازات التي تمتع بها البعض أصبحت مثيرة للجدل، ولا سيما بعدما ثبت تورط إحدى السيارات «المفيّمة» في التفجيرات الأخيرة. تذكر ليال (ربة منزل) جهدها الدائم في ضبط أعصاب زوجها عند قيادة سيارته، إذ من الضروري إفساحه المجال أمام أي سيارة «مفيّمة». وتقول: «لا يمكنني أن أتكهن بهوية الشخص الذي يقود السيارة أو من معه. ولذا، من الأسلم أن نتغاضى عن الاستفزازات لأن من يستخدم الفيميه مدعوم، بحكم معلوماتنا. ولا نرغب أن ننتهي مقتولين على أيدي بعض الزعران».
الضبوط المحرّرة تجاوزت الـ5000 خلال الفترة الماضية

لا يحسب متنفّذو المدينة حساباً لأي من الحواجز، باستثناء ما يسمى «الدورية المشتركة»، وهي عبارة عن عدد من العناصر من جهات أمنية وعسكرية عدة، تنصب «حواجز طيارة»، وتفتّش السيارات بدقة. الدورية التي تشكلها اللجنة الأمنية (في جميع المحافظات)، تتفحص من في داخل السيارات بحثاً عن مطلوبين، ويقوم أفرادها بنزع «فيميه» السيارات، في حال عدم وجود «مهمة تستوجب وضعه». وهي تتمتع بصلاحيات تمنع تجاوزها أو مقاومتها من قبل غالبية المتنفّذين، إذ يتطلب تجاوزها دعماً خاصاً، لا يمتلكه كثيرون. يقول زياد (صاحب محلّ تجاري): «من ليس له سند يخشى من الدورية المشتركة والحواجز أيضاً. غير أن المدعومين من قبل أحد المسؤولين لا يهتمون لأي شيء، وهم يتحركون من دون وجود أوراق تثبت أن مهمة أمنية تتطلب لجوءهم إلى مخالفة القوانين عبر السير في الشوارع من دون لوحات معدنية أو تمويه زجاج النوافذ، بحجة مقتضيات الحرب». التفجيرات الأخيرة خلّفت سخطاً لدى الناس، جراء تكرار المخالفات من قبل من يعتبرون أنفسهم فوق القوانين، ولا سيما بعد حوادث عدة من خطف وقتل وسرقة، باستخدام سيارات «مفيمة» أيضاً. محاولات عناصر الشرطة لتوقيف السيارات المخالفة، التي تصنف تحت بند استعادة هيبة الدولة في «شيكاغو» السورية، قاومها البعض باستخدام القوة، وصولاً إلى رفع السلاح قبل أيام على عناصر دورية حاولوا نزع «فيميه» إحدى السيارات. وعلى الرغم من تأكيد المعنيين في المدينة أنه جرى سجن صاحب السيارة المخالفة، غير أن ثقة أهالي المدينة المعدومة بمسؤوليهم جعلت من المزاعم الحكومية مثار سخرية، إذ إن المدينة ما زالت تعج بسيارات يغطيها الزجاج الأسود. مصادر في مديرية المرور أكدت لـ«الأخبار» توقيف عشرات السيارات يومياً، وسحب أوراقها، بهدف نزع الـ«فيميه» ودفع غرامة المخالفة. ولفتت المصادر إلى أن الشرطة تسحب أوراق أعداد من السيارات بمعدل 100 سيارة يومياً، ما يجعل الازدحام لدفع المخالفات لا يطاق. وتقدّر المصادر قيمة مخالفة الـ«فيميه» بـ2000 ليرة، أي ما يعادل 4 دولارات. ويشرح رامز (موظف حكومي)، أن الدوريات تنزع الـ«فيميه» أحياناً، باستخدام مشرط أو شفرة حادة، أو تسحب أوراق السيارة حتى يراجع صاحب السيارفرع المرور، مضيفاً أن «الازدحام في فرع المرور قد يتطلب الانتظار لمدة تقارب 4 ساعات، لحضور الضابط المشرف على عملية إزالة الفيميه. وهذا كله يمكن تجاوزه، بحسب ثقل الواسطة التي يستند اليها بعض أبناء المدينة المتنفذين». ويرى الشاب الثلاثيني أن خزينة الدولة يمكن أن تكسب الكثير جراء تطبيق القوانين «التي كاد المواطنون أن ينسوها»، بدل أن تخسر أبناءها في حوادث أمنية، قائمة على خروق تتسبب بها المخالفات المستمرة. وعلى الرغم من صعوبة ضبط المخالفات المرورية في المناطق التي تشهد معارك مع المسلحين، غير أن الضبوط المحرّرة في اللاذقية وحدها، تجاوزت 5000 ضبط خلال الفترة الماضية، بحسب مصادر في المحافظة. وهو رقم يدلّل بوضوح على حجم الفوضى التي شهدتها المدينة، إلى حين حدوث الخرق الأخير. ورغم ذلك، لا تزال الكثير من السيارات «المفيّمة» تسرح في المدينة بناء على أوراق خاصة، تحت ذرائع مختلفة متعلقة بالحرب.