تراجع المساحات المزروعة سببه ارتفاع أسعار المشتقات النفطيةما حدث في الجنوب، حدث بصورة أخرى في مناطق البلاد كاملة، حيث تتوزع 163 سداً، كانت تمثل شريان الحياة لملايين السوريين ولآلاف الهكتارات الزراعية، وأصبحت في سنوات الحرب هدفاً عسكرياً مباشراً، أو تحولت إلى مجرد نقاط علام رئيسية في المعارك والخطط العسكرية.
صحيح أن السدود لم تنل من التهديم والتدمير ما ناله كثير من المنشآت الاقتصادية والخدمية، إلا أن ذلك لا يقلل من حجم الأضرار التي لحقت بها، وخطورة استمرارية عمليات التخريب، والتي طاولت وفق ما يشير وزير الموارد المائية «البنى التحتية وخاصة في المجالات التالية: التجهيزات الميكانيكية والكهربائية، أجهزة المراقبة والقياس، المحطات المناخية الرقمية والمطرية، الآبار البيزومترية التي تستخدم للمراقبة، كذلك تعرضت بعض السدود لتخريب جزئي لجسم السد، ومآخذ القنوات الرئيسية عليها من خلال استخدامها كمرور للآليات ذات الحمولات الكبيرة، إضافة إلى العبث بالتشغيل وعدم التقيد بالفتح الآمن لمياه بعض السدود، وهو يمكن أن يؤدي إلى حدوث أضرار غير مباشرة على جسم السد ومنشآته». ومع ذلك فإن التفاؤل باستعادة السدود لوظيفتها في توفير مياه الشرب للسوريين، ولآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية لا يزال قائماً، فرغم «الظروف الأمنية الصعبة في بعض المناطق، ومنها درعا، الحسكة، إدلب، حلب، وحماه، فإن معظم هذه السدود جاهزة من الناحية الفنية، ولا يوجد أي مشكلة ظاهرية، ويقوم عمالنا الموجودون في مواقع السدود بإدارتها، وتنفيذ بعض أعمال الصيانة الدورية الممكنة حسب الإمكانات المتوافرة». وهذا ساعد على الحيلولة دون خروج مساحات واسعة من دائرة الاستثمار الزراعي، وتضرر آلاف العائلات التي تعتاش على العمل الزراعي، وفي جميع المناطق بما فيها تلك الخاضعة لسيطرة تنظيم «داعش»، ووفق ما يشير إليه حسان قطنا، مستشار وزير الزراعة، فقد «تراجعت المساحة المروية على مشاريع الري الحكومية خلال فترة الأزمة إلى 369 ألف هكتار، بعد أن كانت في عام 2010 نحو 377 ألف هكتار، أي إن التراجع لم يتجاوز 8 آلاف هكتار، ما يدعونا إلى الإقرار باستقرار المساحات المروية على مشاريع الري الحكومية خلال فترة الأزمة، وبأنه في حال حدوث أي تخريب كانت تُرمَّم نسبياً لإعادتها للاستثمار، بحيث ضُمن إيصال المياه للأراضي المزروعة على الشبكات الحكومية».
لكن ثمة ما هو فوق طاقة العاملين وإرادتهم، إذ إن «وقوع بعض هذه السدود في المناطق التي توجد فيها المجموعات المسلحة، وعدم التحكم بالشكل المطلوب بالوارد المائي والتخزين الموجود، أديا إلى عدم انتظام آلية توزيع المياه للري، وانعكاسها المباشر على توفير الاحتياج المائي وفق متطلبات الدورة الزراعية في بعض المناطق» يقول الدكتور الشيخة.
المفارقة الموجعة التي يمكن اكتشافها في هذا الملف، أن تراجع المساحات المزروعة لم يكن سببه المباشر ما آل إليه حال السدود في الحرب، بل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وهذا ما يوضحه مستشار وزير الزراعة، فيقول إن «التراجع الذي شهده القطاع الزراعي تركز على المساحات المروية على الآبار لصعوبة توفير المازوت اللازم لتشغيل محركات الري، ولارتفاع أسعار المحروقات، مع ملاحظة أن رسوم الري على شبكات الري الحكومية تشكل نحو 5% من كلفة الري لوحدة المساحة المروية على الآبار، وهذا من العوامل الرئيسية، التي جعلت المزارعين يستمرون بالري على شبكات الري الحكومية لانخفاض كلفة الاستثمار».
في ضوء ذلك، كان من الطبيعي أن تخسر البلاد أيضاً ما كانت توفّره بعض السدود من طاقة كهربائية، وإن كانت نسبتها إلى إجمالي احتياجات البلاد محدودة، «فالسدود الثلاثة الرئيسية في إنتاج الطاقة الكهربائية (البعث، الثورة، تشرين) أصبحت خارج الخدمة بعد دخول المسلحين إليها وتخريب تجهيزاتها»، كما يكشف مصدر في وزارة الكهرباء.