نشرت صحيفة "هآرتس"، أمس، تفاصيل واسعة بخصوص مشروع الوثيقة التي أعدتها فرنسا لاجتماع وزراء الخارجية الذي سينعقد في العاصمة باريس، يوم غد الجمعة، في إطار مساعيها لعقد مؤتمر دولي "للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيلين".وأوضحت الوثيقة، المعدة من قبل وزارة الخارجية الفرنسية، والموزعة على الدول الـ28 المشاركة، أنها تهدف إلى بلورة مبادئ لحل القضايا الجوهرية، التي بموجبها ستجري أي مفاوضات مستقبلية. ويفهم من الوثيقة أيضاً أن الحكومة الفرنسية معنية بالاتفاق الدولي على تحديد جدول زمني لكل مفاوضات مستقبلية حول "الاتفاق الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين".
ولفتت "هآرتس" إلى أن الولايات المتحدة، كما بعض الدول المشاركة، تتحفظ عن بعض نقاط الوثيقة المؤلفة من ثلاث صفحات (والتي وصلت نسخة منها إلى "هآرتس")، والتي تُعدّ بمثابة ورقة عمل غير رسمية كانت فرنسا قد وزعتها على وزراء خارجية الدول التي ستشارك في اللقاء، وعلى رأسهم وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف. ويشكل اللقاء الذي سينعقد من دون مشاركة إسرائيل والفلسطينيين، جلسة تمهيدية "لمؤتمر السلام الدولي" الذي تنوي فرنسا عقده قبل نهاية عام 2016، بمشاركة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. ومن المتوقع مناقشة تلك الوثيقة خلال جلسة تمهيدية ستعقد اليوم في باريس بمشاركة دبلوماسيين كبار من الدول المشاركة، وسيتقرر خلالها جدول أعمال لقاء وزراء الخارجية غداً.
وتعرض الوثيقة خلفية المبادرة الفرنسية، وترى أنّ "الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني" لا يزال يُعَدّ موضوعاً رئيسياً في الشرق الاوسط "إذ يسبب عدم الاستقرار وغياب الأمن، ويغذي العنف المتطرف، ويُعَدّ التقدم نحو حله مسألة عاجلة ــ كما هو دائماً". وكتب في الوثيقة، أيضاً، أن "حل الدولتين" يمثّل الإمكانية الوحيدة عملياً لإنهاء الصراع، وأنه لم تقم أي جهة بعرض حل أفضل مقبول على الإسرائيليين والفلسطينيين، ويوفر حلاً لطموحاتهم ويدمج بين العدالة والحاجات الأمنية. مع ذلك، يحدد الفرنسيون في وثيقتهم أن هذا الحل يواجه خطر التحول إلى مستحيل بسبب البناء الاستيطاني، بما في ذلك في مناطق حساسة، وبسبب تزايد احتمال تحول الحوار نحو أعمال معادية. وجاء في الوثيقة الفرنسية أنه "يجب الحفاظ على حل الدولتين والقيام بذلك بشكل عاجل. القضاء والقدر لا يُعَدّ إمكانية، هناك حاجة إلى تدخل دولي متجدد". 
وتحدد الوثيقة أهداف العملية التي سيجري تحريكها خلال لقاء وزراء الخارجية وأهداف "مؤتمر السلام الدولي" الذي سينعقد قبل نهاية السنة. وتشير الوثيقة إلى إمكانية التوصل إلى "اتفاق سلام" فقط من خلال المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن في الوقت نفسه يجري التأكيد أن الفجوات بين الجانبين كبيرة، ولا تجري مفاوضات بين الجانبين منذ فشل "مبادرة السلام" الأميركية في نيسان 2014. أضف إلى ذلك أنه لا دليل على إمكانية قيام الطرفين باستئناف المفاوضات من تلقاء نفسيهما، ولذلك هناك حاجة إلى عملية خارجية تعيدهما إلى طاولة المفاوضات.
ورأت الحكومة الفرنسية أنه يمكن المجتمع الدولي المساعدة في إعادة تحريك العملية السلمية، ودعت الجهات الدولية المختلفة، خاصة دول المنطقة المعنية باستئناف "عملية السلام"، إلى "فرض كامل ثقلها في هذه المسألة". وتقترح الوثيقة سلسلة من العمليات التي يمكن المجتمع الدولي القيام بها، وعلى رأسها تعريف مبادئ حل المسائل الجوهرية للصراع (الحدود، الأمن، اللاجئين، المستوطنات والقدس والمياه)، التي ستجري على أساسها كل مفاوضات مستقبلية.
وجاء في الوثيقة أنه "يمكن المجتمع الدولي الاعتماد على العمل الذي قامت به الولايات المتحدة في كثير من المسائل الجوهرية، والمساعدة على طرح حلول، واقتراح المساعدة وتقديم الضمانات لتطبيقها"، و"توفير إطار يرافق المفاوضات حتى استكمالها"، و"خلق محفزات من أجل الإثبات للطرفين ولمواطني بلديهما أنهم سيربحون بشكل عملي من السلام"، و"محاولة خلق أجواء تتيح إجراء مفاوضات السلام في المستقبل".
وأكد الفرنسيون رغبتهم في أن تُشمَل كل التفاهمات التي سيتفق عليها وزراء الخارجية في نهاية اللقاء، في إطار البيان النهائي، الذي سيحدد أن "حل الدولتين" لا يزال ممكناً، وأن المجتمع الدولي يدعمه ويعرض الطرق الكفيلة بالتقدم نحو تحقيقه. ومن بين القضايا المركزية التي ترغب فرنسا في الاتفاق عليها خلال اللقاء، مبدأ تحديد جدول زمني واضح وصارم لكل مفاوضات مستقبلية. وجاء في الوثيقة أنّ "الزمن ليس عاملاً محايداً في ضوء التآكل المتواصل في حل الدولتين. التوجه الذي يدعو إلى إجراء مفاوضات لامتناهية، يتناقض مع الوقائع على الأرض ومع الخطر الدائم بحدوث تصعيد. ويتفق الوزراء على مبدأ الحاجة إلى تحديد جدول زمني واضح للمفاوضات حين استئنافها، وستكون هناك حاجة إلى إجراء تقويم مرحلي من أجل فحص جدية العملية". لكن الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى ترغب في أن يكون البيان الختامي شمولياً فقط.
وأوضح الفرنسيون في الوثيقة أنه في ضوء حقيقة وجود عدة خطوات دولية تدور بشكل متزامن، كالتقرير الذي تعده الرباعية الدولية، والمبادرة الإقليمية التي طرحها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يجب اللجوء إلى الكثير من المشاورات من أجل التوصل إلى أكبر إجماع بين الجهات الدولية المشاركة في المبادرة. وتعرض فرنسا على وزراء الخارجية الاتفاق على النقاط الآتية:
أ. تقويم مشترك للأوضاع يجد حل الدولتين هو الحل الوحيد للصراع، ويواجه التهديد، ويجب العمل للحفاظ عليه.
ب. إعراب جميع الدول المشاركة عن استعدادها لتقديم الدعم والمساعدة العملية للحفاظ على حل الدولتين وتنفيذه.
ج. التوصل إلى رؤية مشتركة حول كيفية استئناف "عملية السلام" وما هي أهداف المؤتمر الدولي للسلام.
د. الاتفاق على الإجراءات التي يجب أن تتخذها البلدان المشاركة خلال الفترة التي ستسبق مؤتمر السلام.
هـ. الاتفاق على موعد للمؤتمر.
ويقترح الفرنسيون دفع العمل ضمن طواقم، تترأس كل واحد منها إحدى الدول المشاركة في المبادرة: طاقم لصياغة توصيات بالخطوات التي يجب أن تقوم بها إسرائيل والفلسطينيين ودول المنطقة في الفترة القريبة، قبل انعقاد مؤتمر السلام، من أجل الحفاظ على حل الدولتين ومنع التصعيد؛ طاقم لصياغة محفزات اقتصادية للجانبين؛ وطاقم لمناقشة الأمن والتعاون الإقليمي.