استطاع صوت المقدسي عيد نخلة، الذي نقلته إلى «الأخبار» سماعة الهاتف على الخط الآخر، أن يعبر عن إيمانه من جهة، وقنوطه من جهة أخرى. الأول نابع من يقينه برحمة الله الذي أنقذ نجله من الموت، فقد أصابه جنود الاحتلال الإسرائيلي برصاصة في رأسه قبل سبعة أشهر، أنهكته في العناية المكثفة من دون أن تميته. أمّا الثاني، فهو بحق من المتغنّين بالقضية الفلسطينية وحماية شعبها، وخاصة السلطة في رام الله.برغم مرور سبعة أشهر على إصابة نجله، بلال، برصاص الاحتلال، خلال المواجهات التي اندلعت في منطقة البالوع في مدينة البيرة في الضفة المحتلة، لم يستطع الأب أن ينسى كيف أنقذت العناية الإلهية نجله من الموت المحتم. فالمستشفى الذي يصر على نعته بـ«المسلخ»، كان في كل يوم يمهد طريق الموت لبلال، ويجعل من غرفة الإنعاش تابوتاً ينتظر من يشيعه إلى المقبرة.
على مدار 11 يوماً قضاها المصاب نخلة في مستشفى «رام الله»، قبل نقله إلى مستشقى «المقاصد» في القدس، لم يكفّ الطاقم الطبي عن ترديد جملة واحدة: «لا تبرح مكانك، فخلال ثلاث ساعات على الأكثر سيموت بلال». كان عيد نخلة يمتثل لأوامر الطاقم الطبي ويجلس ملتصقاً بباب غرفة الإنعاش ينتظر معجزة تعيد نجله إلى الحياة، وفي الوقت نفسه ينتظر خبر استشهاده.
يشرح الوالد في حديثه إلينا أن الطاقم الطبي في مستشفى «رام الله» كان يكرر العبارة نفسها على مدى أسابيع العلاج، «إذا نزعنا عنه الأجهزة سيموت، هذا قدره، لكن أنتم من يحدد ساعة انقضاء القدر، فإذا وافقتم على نزعها ستوفرون على أنفسكم تعب الانتظار».
المفاجأة أن الأجهزة التي قال الأطباء إنها سبب بقاء بلال على قيد الحياة لم تكن تعمل أساساً بالطريقة السليمة، فحينما دخل الأب إلى غرفة الإنعاش وجد أن غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يخرج في عملية الزفير لا يخرج من جسم بلال، فقد كان «النبريج» المسؤول عن إخراجه مليئاً بالماء، وعندما أخبر الممرضة بذلك أكدت له أن الأمر طبيعي، لكن خوفه على نجله جعله يتصل بأحد أطباء القلب، الذي بدوره هرع إلى المكان وعمل على نزع الجهاز وتركيب آخر، ثم أخبره بأنه لو لم يغيروا الجهاز لمات نجله خنقاً!
بعد اكتشاف الأب الخطأ الطبي الذي كان يمكن أن يودي بحياة نجله، حاول نقله إلى مستشفى المقاصد في القدس، لكن محاولاته جميعاً لم تنجح. حتى إنه طلب من مدير مستشفى «رام الله» أن يوافق على نقله، فرفض الأخير على أساس أنه «ميت ولا داعي للتكلف بنقله إلى مستشفى آخر».
تنقل نخلة بين مكاتب المسؤولين في السلطة، من وزير الصحة إلى أصغر طبيب في رام الله حتى استطاع الضغط على مدير المستشفى وإعطاءه ورقة تحويل إلى «المقاصد». وحينما جاءت ساعة الانطلاق من رام الله إلى القدس، رفض الأطباء مرافقته في سيارة الإسعاف، وبقي والده يسترحمهم خمس ساعات حتى وافق أحدهم على مرافقته.
عندما وصلوا إلى «المقاصد» بدأت الكارثة تتكشف، فلما رآه الطبيب المسؤول عن قسم الأعصاب أمر الممرضين بأن يغسلوه ويغيروا له الضمادات التي لم تتبدل منذ 11 يوماً وبدأت بالتعفن على جسده. سار كل شيء على ما يرام، حتى حان وقت نزع ضماد رأسه؛ لتظهر المصيبة التي أخرجت الطبيب عن طوره، فجزء من عظام رأسه لم يكن موجوداً وكذلك جلدة رأسه التي نزعها الأطباء في مستشفى «رام الله» لاستخراج الرصاصة من دون إعادتها وتخييطها، لأنه باعتقادهم «لا حاجة لإعادة العظم أو إخاطة رأسه، فهو ميت لا محالة»!
في غرفة أخرى بالقرب من غرفة بلال داخل «المقاصد»، كانت عائلة الشاب المقدسي خليل محمود (17 عاماً)، ترافق نجلها الذي أصيب في رأسه برصاص الاحتلال أيضاً. تقاربت حالة المصابين الاثنين كثيراً حتى في درجة الخطورة، واستمرا بتلقي العلاج في «المقاصد»، حتى أعلن الأخير انتهاء علاجهما وحاجتهما إلى مركز تأهيل للدماغ حتى تتمكن الأعضاء لديهما من العودة إلى العمل، لأنهما أصيبا بشلل نصفي ولم يعد استيعابهما للأمور يسير جيداً.
بدأت مرحلة أخرى من المعاناة، لأن مراكز التأهيل تحتاج إلى تحويلة من وزارة الصحة الفلسطينية، وكالعادة هناك إجراءات بيروقراطية كثيرة لأخذ موافقة وزير الصحة على تحويل المصابين إلى مركز تأهيل خارج الضفة.
تكفل محمد محمود، عم المصاب خليل، بتتبع هذه الإجراءات ليتمكن المصابان من السفر واستكمال العلاج خارجاً، لكن محاولته باءت بالفشل. لم يستسلم كون حياة شابين ستنتهي لو رفع يديه واستجاب لقرار وزارة الصحة الرافض لتحويلهما، فطلب من مدير «المقاصد» التدخل، وأرفق الأخير طلباً لوزير الصحة بتحويلهما للعلاج في مركز تأهيل، لكن محاولته أيضاً باءت بالفشل!
11 يوماً قضاها المصاب نخلة في مستشفى «رام الله» من دون تغيير ضمادات جروحه!

بعد ذلك، توجهوا إلى وزير شؤون القدس، عدنان الحسيني، للتدخل والضغط على وزير الصحة، جواد عواد، للموافقة على طلبهم. ورغم ذلك لم يتغير شيء، فتوجهوا إلى رئيس الوزراء، رامي الحمدالله، الذي وعدهم بحل سريع لكن سرعته لم تمكنه من الوصول حتى الآن.
قررت العائلتان التوجه إلى الإعلام، واختاروا قناة «فلسطين» الرسمية للسلطة، وعرضوا قضيتهم من خلالها، من ثم تكفل رئيس السلطة، محمود عباس، بحل قضيتهم، فاعتقدت العائلتان أنها حلت، لأن رأس الهرم ومن بيده زمام الأمور تدخل ولا يمكن لأحد رفض أوامره، ثم تبين أن أوامره لم تنفذ.
كان عند العائلتين خيار واحد، هو نقل المصابين بلال وخليل إلى مركز «بيت جالا للتأهيل» في بيت لحم، جنوب الضفة، فتوجه والد بلال إليه وشرح حالة المصابين على مديرة المركز، التي وعدته بأنها ستضعهما على قائمة الأولويات في حال توافر أسرّة في المركز. ثم لم يعد أمام العائلتين خيار إلا نقل المصابين إلى الأردن للعلاج في مستشفى «مدينة الحسين الطبية»، فسافر محمد محمود (عم المصاب خليل) إلى المملكة وتوجه إلى المستشفى، الذي رفض بدوره استقبال المرضى لأنه لا توجد تحويلة من وزارة الصحة الفلسطينية.
قرر آنذاك محمود التوجه إلى السفارة الفلسطينية في عمان لعل السفير يتدخل شخصياً، لكنه لم يستطع مقابلة السفير في السفارة ولا حتى في بيته، وبقي «يطارد» حتى وصل إلى رئاسة الوزراء الأردنية التي تكفلت أخيراً بعلاج بلال وخليل.
يقول محمود، الذي لم يكف عن تدخين السجائر طوال سرده ما حصل معه خلال «رحلة» بحثه عن معالج، «أرسلت الموافقة إلى أخي واتصلت بهم مبشراً بالموافقة، ثم توجهت إلى مستشفى مدينة الحسين الطبية وأخبروني بأنهم سيتصلون بنا في حالة توافر أسرة لبلال وخليل». ويتابع: «هنا غضبت جداً، وأخبرت أخي بأن يقوم بنقل المصابين إلى الأردن عن طريق سيارتي إسعاف نحن دفعنا تكاليفهما، ووصلنا الى غرفة طوارئ المستشفى ودخلنا ولم ننتظر حتى تتوافر أسرة لهما... كيف لنا أن ننتظر والأطباء قالوا لنا إن عضلات المصابين بدأت بالانكماش».
حالياً، يتلقى خليل وبلال العلاج في مركز التأهيل الأردني منذ شهر شباط الماضي إلى الآن، ويرافقهما في رحلة علاجهما والداهما اللذان تركا الدنيا للسهر عليهما، ورغم ذلك لم يجدا من يعيلهما هناك، لأن تكفّل رئاسة الوزراء الأردنية كان لعلاج المصابين فقط، حتى إن العائلتين تشتريان بعض الأدوية على حسابهما الخاص كون المستشفى لا يوفرها. أمّا السفارة الفلسطينية في عمان، فيبدو أنها لم تسمع بالخبر بعد.
بالنسبة إلى عيد نخلة، فإن إهمال السلطة لعلاج خليل وبلال، يعود إلى الرسالة التي تريد إيصالها إلى الفلسطينيين كلهم، وهي أنها «لا تريد انتفاضة وأن مصير الشعب الفلسطيني إذا ما انتفض هو الموت».





تمديد اعتقال عالم فلك فلسطيني

قال "نادي الأسير الفلسطينيّ" إنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي قرّرت إبقاء الأسير البروفسور عماد البرغوثي (54 عاماً) من رام الله، رهن الاعتقال، برغم قرار صادر عن محكمة الاستئناف العسكريّ بإبطال أمر الاعتقال الإداريّ الصادر بحق البرغوثي، ما يعني أن من المفترض الإفراج عنه.
وذكر النادي، في بيان أمس، أنّ نيابة الاحتلال قدّمت لائحة اتّهام بحق البرغوثي بتهمة التّحريض، مطالبةً بتمديد اعتقاله. وقد اعتقل البرغوثيّ في 24 نيسان الماضي، وهذه المرّة الثانية التي يُعتقل فيها.
يشار إلى أنّ أستاذ الفيزياء الفلكيّة في جامعة القدس، عماد البرغوثيّ، له أبحاث علمية شهيرة، أقر بعضها على مستوى دولي. كما أثار اعتقاله نهاية عام 2015، عندما كان في طريقه إلى مؤتمر علميّ في الإمارات، موجة من الاحتجاجات الدّوليّة، تمخّضت عن جمع تواقيع من مجموعة فيزيائيّين وعلماء من دول العالم.
(الأخبار)